تفعيل الحق في الحصول على المعلومات: الإدارات والمؤسسات العمومية بإقليم طانطان نموذجا



تحقيق صحفي: حمادي سركوح

*الحق في الحصول على المعلومات في التشريعات الدولية و الداخلية*

يمنح الحق في الحصول على المعلومة, للمواطن حرية السؤال عن كل معلومة ذات الطابع العام التي تنتجها وتتوصل بها مؤسسات الدولة، وتلقي الإجابة عنها بصورة أو بأخرى, فهو حق إنساني يضمن الشفافية والمصداقية والنزاهة في تدبير الشأن العام، كما يكرس مبادئ الديمقراطية التشاركية ويعزز العلاقة بين مؤسسات الدولة والمواطن، بإحترام الأفراد لذاتهم، والمواطن الطنطاني واحد من هؤلاء.

يعتبر الحق في الحصول على المعلومات من أهم حقوق الإنسان المدنية والسياسية التي نادت بها كل المواثيق الدولية كما أكدت توصيات الأمم المتحدة أن الحق في الحصول على المعلومات هو إختيار لتحقيق باقي حقوق الإنسان.

فالحصول على المعلومات وتداولها هو حق أساسي من حقوق الإنسان إذ أن أغلب المعاهدات والإتفاقيات الدولية والإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان نصت على هذا الحق واعتبرته من الركائز الضامنة لمفهوم الشفافية والمواطنة الحقة وذلك نظرا لأهمية توفر المعلومات بالنسبة لأفراد المجتمع من أجل المشاركة في الحياة العامة وقد ظهرهذا الحق على المستوى الدولي سنة 1946 عندما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 59 الذي نص أن “حرية الوصول إلى المعلومات حق أساسي للإنسان وحجر الزاوية لجميع الحريات التي تنادي بها الأمم المتحدة ” كما أدرج الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة دجنبر 1948 حرية المعلومات في المادة 19 كجزء من حرية التعبير، كما أن المادة 10 من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد ألزمت الإدارات العمومية بضرورة تمكين المواطنين من الحصول على المعلومات واتخاذ التدابير الكفيلة لممارستهم لهذا الحق، تعزيزا للشفافية وترسيخا لثقافة الحكامة الجيدة، فيما نصت المادة 19 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية على حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت.

أما على المستوى الإقليمي فقد تبنت اللجنة الإفريقية المعنية بحقوق الإنسان والشعوب سنة 2002 إعلان مبادئ حول حرية التعبير في إفريقيا والذي نص في جزء منه على أن “المؤسسات العامة تحوز المعلومات ليس لنفسها ولكن تلعب دور خادم للمصلحة العامة ويكون من حق كل شخص الوصول إلى هذه المعلومات والتي تكون بدورها موضوع قواعد واضحة يحددها القانون”

وفي السياق نفسه ضمِنَ الميثاق العربي لحقوق الإنسان في المادة 32 منه: ” الحق في إستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الأخرين بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود الجغرافية”، وقد أقرت عدد من الدول العربية بأهمية حرية المعلومات وتبنت قوانين تعزز الآليات التي تتيح للعموم طلب وتلقي المعلومات التي تحوزها الدولة، وعبرت عنها في تشريعاتها من خلال النص عليها في الدستور.

في المغرب ومنذ سنة 2011 الحق في الحصول على المعلومات، أصبح حقا دستوريا وتم التنصيص عليه في الفصل 27 منه: “للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بالمرفق العام” وبذلك أصبح لزاما على المسؤولين بالإدارات العمومية تسهيل حصول المواطنين على المعلومات وتوفيرها لهم، كما يجد هذا الحق سنده كذلك في بعض النصوص المتفرقة في القانون المغربي كالقانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر في المادة الأولى منه: “لمختلف وسائل الإعلام الحق في الوصول إلى مصادر الخبر والحصول على المعلومات” و نص القانون 89.13 المتعلق بالنظام الأساسي للصحفيين المهنيين في البند 4 على “حق الصحفي في الوصول إلى مصادر الخبر في إطار ممارسة مهنته وفي حدود إحترام القوانين الجاري بها العمل”

وفي إطار أجرأة أحكام الدستور وكذا تنفيذ الإلتزامات الدولية، إنضم المغرب رسميا من خلال إقرار قانون الحق في الحصول على المعلومات 31.13 في فبراير 2020 إلى شراكة الحكومة المفتوحة، كأول قانون ينظم كيفية الحصول على هذه المعلومات، إذ تعهد بالإلتزام بالمبادئ الأربعة الأساسية للشراكة المذكورة وهي الوصول العام إلى المعلومات وكشف المسؤولين الحكوميين عن ممتلكاتهم والشفافية المالية ومشاركة المواطنين، ليدخل القانون 31.13 حيز التنفيذ في 12 مارس 2020 بعد سنتين من إصداره.

*تفعيل الحق في الحصول على المعلومات: إقليم طانطان نموذجا*

عملت الإدارات والمؤسسات العمومية على مباشرة عمليات تفعيل هذا القانون، وذلك على مستوى تنظيم ومعالجة المعلومات والنشر الإستباقي لها حتى دون طلبها.

وقد باتت المجالس المنتخبة بإقليم طانطان، على غرار باقي الجماعات الترابية بالمملكة ملزمة للإمتثال للقانون المؤطر لهذا الحق، بما يمكن المواطنات والمواطنين من التدقيق في ممثليهم المحليين ومحاسبتهم.

ويضم إقليم طانطان بلديتين طانطان المدينة والوطية طانطان الشاطئ، وخمس جماعات قروية: أبطيح، الشبيكة، بن خليل، تلمزون، ولمسيد كل هذه الجماعات تتوفر على موظف ونائبا له، مكلفين بتدبير طلبات الحصول على المعلومات، تنفيذا لمضامين المنشور رقم 2 بتاريخ 25 دجنبر 2018 الصادر عن وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، الذي يحدد كيفيات تعيين الأشخاص المكلفين على مستوى المؤسسات والهيئات المعنية بتنفيذ القانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، وتوفير الدعم لهم لتمكينهم من ممارسة مهامهم، طبقا للمقتضيات المنصوص عليها في المادتين 12 و13 من هذا القانون.

وتجدر الإشارة إلى أن هؤلاء الموظفين المكلفين بمهام تتبع ومعالجة طلبات الحصول على المعلومات، على مستوى الجماعات الترابية بإقليم طانطان بلغ عددهم 14 موظفا، مكلف ونائبه عن كل جماعة، لم يتلقو أي تكوين في هذا الجانب بخصوص تقوية قدراتهم وتدعيم خبراتهم من أجل دراسة ومعالجة طلبات الحصول على المعلومات المقدمة من طرف المرتفقين.

وموازاة مع ذلك، ليس لدى أغلبهم دراية بمزايا تطبيق الوسائل التقنية في الأجهزة الإدارية، مما يحول دون مسايرتهم للتحول الرقمي وتكنولوجيا المعلومات والإتصال للمجال الإداري، وكذا التفاعل مع بوابات الخدمات العمومية، بما فيها بوابة الحصول على المعلومات « chafafiya » خاصة وأننا في أفق التوجه للإدارة الإلكترونية.

وبلغة الأرقام فقد عرف المجلس البلدي بإقليم طانطان في الفترة 2022-2023 ما مجموعه: 12 طلبا مقدما للحصول على المعلومات، ثلاثة منها ورقية عبر مكتب الضبط و 09 طلبات عبر البوابة « chafafiya » ، وطلب واحد خلال يناير 2024 وقد تمت معالجة جميع الطلبات والرد عليها داخل الآجال ووفق الشروط والكيفيات المحددة قانونيا، فيما لم تسجل أي طلبات بباقي المجالس المنتخبة، بإستثناء المجلس الإقليمي الذي لم نستطع التوصل لمعلومات دقيقة تفيد التحقيق رغم ترددنا المتكرر على مقر المجلس الزجاجي الذي يبعد عن إقليم طانطان ب 25 كيلومترا، ففي كل مرة زرنا فيها هذه البناية الراقية من حيث التجهيزات إلا واصطدمنا بموظفين لايستطيعون مدنا بأي معلومة موضوع التحقيق بذريعة أن ذلك يجب أن يكون بإذن أو تصريح من رئيس المجلس الذي لايتواجد منه في تلك البناية الباريسية إلا مكتبه ورجل أمن خاص، وفي محاولة منا الإتصال به هاتفيا لايجيب..!

أما على مستوى الإدارات والمؤسسات العمومية بإقليم طانطان، فكلها لا تتوفر على موظف مكلف بتدبير طلبات الحصول على المعلومات، ماعدا المديرية الإقليمية للتربية والتعليم والذي إعتمد في تكوينه على التطوير الذاتي، وقد توصل بطلب واحد من اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان عبر البريد العادي، وتمت معالجته، فيما تلقت المديرية الإقليمية للفلاحة كذلك طلبا واحدا وكان غير محددا، فتم الرد عليه من أجل تحديد موضوع الطلب والمعلومات المطلوب الحصول عليها.

وجدير بالذكر أن جميع المصالح أكدت بأن التفاعل مع طلبات الحصول على المعلومات يكون عبر التشاور بين المدير ورؤساء المصالح المعنية باعتبار أن المعلومة من حق الجميع، شريطة ألا تخرج عن ماهو مؤطر قانونيا، فالمعلومة أصبحت توزع بشكل أفقي بمعنى أن الإدارة مفتوحة في وجه الجميع.

وفي إتصال مع الكاتب أحمد محمد الومان حول موضوع التحقيق صرح بأن: “العائق الوحيد أمام هذا الحق هو عدم تفعيل مكاتب الضبط بالمجالس المنتخبة والإدارات العمومية، ومادامت هذه المكاتب لا تتسلم طلبات المرتفقين أو تتسلمهم دون منح وصل للإيداع سيبقى هذا القانون 31.13 مقيدا إلى حين التخلص من تبعات البيروقراطية.

ويضيف الكاتب: ” كان لنا تجربة تقديم طلب ورقيا بإسم هيئة حقوقية إلا أننا اصطدمنا برفض تسلم الطلب من قبل مكتب الضبط الأمر الذي تطلب منا سلك مسطرة وضع هذا الطلب عن طريق المفوض القضائي وفي بعض الحالات نلجأ إلى إرساله عبر السلم الإداري، ولكن ستبقى دائما تلك السلوكيات من الإدارة بحجة إتباع التعليمات من الرئيس أو المدير غير مقبولة بتاتا”

وأشار الومان إلى أن “هناك لبس أوعدم الفهم لقانون الحق في الحصول على المعلومات، الإدارة من جهة والمواطن من جهة أخرى، حيث أصبح هناك من يمارس الإبتزاز بإسم هذا الحق وهو فهم خاطئ، هذا القانون يؤطر الحق في الحصول على المعلومة، وبالتالي هذه المعلومة ستفيد بلاشك الشأن العام أو باحث أكاديمي أو صحفي في إعداد مادته الإعلامية، ولتشجيع ممارسة هذا الحق وتمكين المواطنين من إستيعاب حقوقهم وواجباتهم المترتبة عن القانون المؤطر، نحتاج لتكوينات وحملات تحسيسة ليتحقق وعي كامل بهذا القانون، كما لابد للإدارات تفعيل مكاتب الضبط لكي تساهم في تيسير الإدارة العمومية.”

وفي لقاء مع الأستاذ بوبريك عبدالله رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان صرح لنقطة بريس أنهم تقدموا بأربعة طلبات بإسم المركز وعبر قائلا: “تقدمنا بأربعة طلبات كلها ورقية عبر مكاتب الضبط عن طريق المفوض القضائي، لأن التجارب السابقة مع مختلف الإدارات والمؤسسات العمومية بالإقليم دائما ماتتنصل من مسؤولية تسلم طلباتنا بدعوى ومبررات واهية، سواء بحجة أن ذلك يدخل في إطار تعليمات من المسوؤل أو غياب الرئيس، كما أن هناك مشاكل في التأخر بالنسبة للرد على طلباتنا على مستوى البوابة الإلكترونية الخاصة بطلبات الحصول على المعلومات، في حين أننا داخل المركز نكون مطالبين بالحصول على معلومات مهمة ومستعجلة، إما للتأكد أو لتصحيح المعطيات التي نتوصل بها من المواطنين، لهذا نلجأ إلى المصدر أي الهيئة المعنية بالمعلومة للتأكد من صحتها خصوصا وأنها تتعلق بالشأن العام، وذلك بغية إصدار بيانات أو تقارير أو مراسلات للتنبيه عن وضع معين.

وأشار الأستاذ بوبريك: “إن التفاعل مع طلباتنا من طرف الإدارات والمؤسسات العمومية بالإقليم، من حيث الردود يبقى خارج نطاق سياق السؤال وسياق المعطيات المطلوبة وذلك راجع لتهرب المسؤولين من الحقيقة، فطلبنا الأول رفض الموظف تسلمه بدعوى عدم وجود المسؤول، والطلب الثاني تم إستلامه ولكن تم رفض الإجابة، وفي الطلب الثالث كان الجواب خارج نطاق السؤال، أما الطلب الرابع فقد تواصل رئيس المصلحة مع المركز بشكل حبي وبدون رسميات عبر عقد إجتماع من أجل مد أعضاء المركز بكل المعلومات التي كانو يرغبون في الحصول عليها.

وأضاف الاستاذ عبدالله: “وجود هذا القانون من عدمه لايشكل فارقا، إلا في حالة إصدار قوانين زجرية تجرم هذه الأفعال، إذ أصبح هذا القانون يشكل عبئا كبيرا على المسؤولين، وبات هاجسا لهم فأغلبيتهم يتمنعون عن تقديم المعلومات، كما أن الموظفين الموكولة لهم مهام تدبير طلبات الحق في الحصول على المعلومات داخل الإدارات ليست لديهم أي فكرة (الموظف براسو ماعندو المعلومة) وحتى إن كانت فهم تحت رحمة الرئيس أو المسؤول إذ لايمكنهم أن يمنحون أية معلومة إلا بإذنه، هذا القانون ولد ميتا وسيبقى فقط لأجل تنفيذ الإلتزامات الدولية وقانونا للإستهلاك إن صح التعبير، فالمواطن ليس لديه الإمكانيات كي يترافع من أجل حقه ضد المسؤول أمام القضاء الإداري رغم علمه في قرارة نفسه بأن الحكم سيكون لصالحه، كما أن مجموعة من القرارات الإدارية صدرت في حقهم لكنها لم تنفذ، والهدف من هذا القانون هو تخليق الحياة العامة، فالمعلومات التي تكون بحوزة الناشط الحقوقي أو الصحفي يجب عليه التأكد منها قبل نشرها، إلا أن محاولاتهم دائما ماتصطدم للأسف بالباب المسدود أوالتلاعب من خلال إجابات مفخخة في حالة كان هناك تجاوب”.

وفي هذا السياق لم تسجل المحكمة الإدارية بأكادير أي طعن في قرار رئيس مؤسسة أو هيئة معنية على مستوى إقليم طانطان، فيما يخص طلبات الحصول على المعلومات.

من جانبه أفاد مصدر مسؤول أن “القانون مؤسسة تنمو مع الممارسة، فهناك قواعد بالدستور لم تطبق بعد، وقوانين تقادمت، كما أن هناك العديد من الملفات في طور الدراسة والتفاوض في إطار الحوار الإجتماعي خلال شهر يونيو القادم، بمعنى أن هناك توجهات أكبر بكثير من المسؤول الذي لايملك إلا جزء بسيط من المعلومة، وسيبقى تدبير الشأن اليومي في إطار المرجعيات للإدارة التي تحكمني، وعلى الموظف المكلف أن يكون محصنا بالمعلومة القانونية، وأن يكون مطلعا على التفاصيل داخل الإدارة أو الجماعة التي يشتغل بها، كما لابد ان يكون لديه هاجس حماية المعطيات الشخصية وإعطاء معلومات لشخص غير ذي مصلحة. نعلم جيدا أن طلب الحصول على المعلومة حق دستوري ولكننا لانعرف كيف سيتم توظيف هذه المعلومات، وهذا مايثير مخاوف معظم المسؤولين عند إعطاء المعلومات، بسبب المسائلة من طرف الإدارة المركزية وكذلك ومثال في حالة عدم الإنجاز أو التأخر.”

يمكن القول أن هذا الحق لن يساهم في تفعيل أليات التواصل من خلال تداول المعلومة، إلا بتأهيل الموارد البشرية بالإدارات والمؤسسات العمومية، لتحسين كفاءة الإدارة في مجال تقديم المعلومات، فمهما بلغت جودة النص القانوني المنظم للحق في الحصول على المعلومات فإن رهان تفعيله يبقى أكبر تحد يواجه كل الأطراف المتدخلة في هذا الإطار، وتوصل المواطن الطنطاني إلى المعلومات وحصوله عليها ليس غاية في حد ذاته، وإنما وسيلة لتحقيق التواصل وتعميق الشفافية وترسيخ الحكامة الجيدة وتكريس إحترام حقوق الإنسان، ومحاصرة الفساد عن طريق التقييم وتحديد المسؤولية وربطها بالمحاسبة، وذلك دعما للتواصل واستعادة للثقة المفقودة للمواطن إتجاه الإدارة.

طانطان 24