المسافة صفر : إنهاء أسطورة الجيش الذي لايقهر و كسر الهيمنة السياسية لإسرائيل



بقلم: يوسف الحنصالي 

أثار انتباه العالم مصطلح المسافة صفر الذي جاء في بيانات فصائل المقاومة الفلسطينية في تصديها للعدوان الصهيوني على غزة، وتوحي المسافة الصفر إلى الانطلاق من العدم، أو الانبثاق من اللاشيء، وهو ما جسده التصدي الباسل لرجال المقاومة الفلسطينية لجيش العدو المدجج بالاسلحة الفتاكة والمختبئ وراء الأطنان من المتفجرات، هذا التصدي الذي كان عنوانه العزيمة والإرادة والشجاعة والدفاع عن الأرض بلا سلاح ولا طائرات ولا مدرعات ولا آليات ولا مدفعيات ثقيلة، مقاومة صفرية لا تضاهي عثاد القوة الاسرائيلية.

المسافة صفر تعني أن المقاتل يخرج من مكان تمركزه من أجل أن ينفد عملية فدائية وهو مقتنع ثماما بعدم إمكانية رجوعه على قيد الحياة، وكل ما يرغبه هو تنفيد العملية الفدائية بنجاح، بيد أن المقاتل عندما يواجه هذفا يمتاز بالجبن والخوف والارتباك فإنه يطمع في أن يحقق هدفه من المسافة صفر وفي نفس الوقت ينجو بنفسه من الموت، وبالتالي توصف هذه العملية بالبطولية والاسطورية فما بالك إن كان هذا الهدف هو تدمير دبابة ميركافة والاجهاز على كافة الجنود المتحصنين داخلها، وهي الدبابة الاكثر تطورا وذكاء في المجال العسكري. وهذا المشهد البطولي شاهده العالم أجمع في العمليات الصفرية التي قام بها مقاتلو كتائب القسام وسرايا القدس... ضد الاليات الصهيونية.

المسافة الصفر هي الخطة التي اعتمدتها حركة حماس لتمريغ أنف القوة الصهيونية في عمق تمركزها في "غلاف غزة" في السابع من أكتوبر 2023 ، حيث شن مقاتلو القسام هجوما مدروسا من البر والبحر والسماء على تكنان عسكرية اسرائيلية، خصوصا "فرقة غزة"  وهي أقوى فرقة عسكرية في اسرائيل على المستوى الاستخباراتي والعسكري،  والحقت بها خسائر في الأرواح والعتاذ وأسرت منهم العديد من الجنود والضباط، في مشهد مذل شاهده العالم كله، أمام فشل استخباراتي اسرائيلي حيث لم يتمكنوا من معرفة خطة المسافة صفر التي اقتحمت فيها حماس وكر العدو.

جن جنون العدو وشكل حكومة حرب مدعومة من الولايات المتحدة الامريكية، وقرر خوض حرب على غزة سطر لها أهدافا أولها تحرير الرهائن 250 رهينة، والقضاء على حركة حماس بالكامل، واحتلال غزة ثم تهجير سكان القطاع.

حشد العدو جيشا ضخما مصحوبا بخبراء وضباط امريكيين وكأنه يريد غزو قارة باكملها، وبدء في التوغل البري داخل القطاع، سبقه قصف كبير للقطاع جوا وبرا، راح ضحيته آلاف المدنيين الآمنين في بيوتهم خصوصا الأطفال والنساء، ولم يكذب الناطق الرسمي باسم كتائب القسام أبو عبيدة حين قال في كلمة له وجهها للعدو حذره من التوغل البري، وقال بأن غزة ستكون مقبرة للغزاة، ومن ثم عرف العالم ورأى اسطورة المسافة صفر حيث التحم المقاتلون مع الدبابات والمدرعات وناقلات الجند من مسافات قريبة والحقوا فيها خسائر باهرة وقتلوا عشرات الجنود، وأرجعوا غزة مقبرة حقيقية للعدو، في مشاهد درامية بات العالم يتفرج عليها، بينما لم يفلح العدو سوى في قتل الأبرياء، وهدم البيوت والمساكن. 

دامت الحرب 48 يوما فلم يحقق جيش الاحتلال سوى الموت لجنوده فلا هو حرر أسراه بالقوة كما قال ولا قضى على حركة حماس ولم يفلح في تخويف ولا تهجير سكان القطاع، وأمام تصاعد الضغط الدولي على الكيان الصهيوني جراء المجازر التي يرتكبها في القطاع واستمرار المظاهرات في تل أبيب تضامنا مع عائلات الأسرى الاسرائيليين الذين يتظاهرون ويعتصمون منذ أيام في تل أبيب احتجاجا على سياسة نتنياهو الفاشلة في تحرير افراد عائلاتهم المحتجزين لدى كتائب المقاومة في غزة، صادقت حكومة الاحتلال على هدنة مع المقاومة بشروط هذه الأخيرة، وبالتالي يكون الاحتلال قد دق أخر مسمار في نعشه، وبصم على فشل سياسي ينضاف إلى الفشل العسكري والاستخباراتي. حركة حماس التي قال أنه لن يوقف الحرب حتى يقضي عليها ويحرر الأسرى بقوة النار من يدها، أصبح الان يجلس معها في طاولة المفاوضات غير المباشرة ويقبل بكافة شروطها من أجل تحرير جزء من الأسرى المدنيين، وأصبح مستعدا لتمديد الهدنة لأيام أخرى، عله ينتزع من المقاومة بعض من أسراه.

طانطان 24