بقلم: الأستاذ إبراهيم الناية مدرس سابق لمادة الفلسفة
يقول الامام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مفتاح دار السعادة صفحة 101 "لا تقوم شجرة الإيمان إلا على ساق العلم والمعرفة."
وهي قولة تدل على مكانة العلم والمعرفة في المنظومة الإسلامية. لأن الاسلام نزل أساسا لمحاربة الجهل والاهواء والنزوات. فحينما يكون الجهل تعم البلوى ويسود التخبط الذي يعيش عليه بعض الناس. فعندما لا تتضح الرؤيا ولا تستقيم المفاهيم في ذهنية الإنسان وتغيب المنظومة المتماسكة، يظهر الغبش والارتباك، فكل شيء لا يفهم على سجيته، ويصبح القلق والاضطراب الفكري حالة مصاحبة للانسان. ولا يتصرف حينئذ وفق الوضع الذي يتعين عليه سلوكه. وهكذا نجده يطلق الاحكام على عواهنها بدون حجة ولا دليل. وقد يدعي العلمية ولكن أسلوبه وطريقة تفكيره لا تمت الى العلم ومنطقه بصلة. إن غياب التصور الاسلامي هو الذي انشأ هذه الحالة من الارتجاج والتململ لدى البعض. واصبح يقيس الأمور بمقاييس لا علاقة لها بالاسلام ورؤيته للكون والحياة والانسان. وهكذا نرى من ينتقد الاسلام دون ان يكلف نفسه بقراءته من الداخل. ويكتفي فقط بترديد ما يقوله المخالفون له في المنطلقات. بل اصبح كل من اراد الشهرة الرخيصة أن يتصدر مشهد المتحاملين على الاسلام، لان الهجوم على معتقداته وقيمه صار هو التجارة الرابحة في عالم الهبوط والانحدار. وقس على ذلك الوضعية المعرفية لبعض المنتسبين الى الاسلام. فهؤلاء لا يقوون على شرحه وتبسيطه للناس. او تصحيح الفهم السيئ من قبل خصومه. فالانسان المسلم اليوم يتعايش مع واقع ممتلئ بالتناقضات الفكرية. ولذلك عليه ان يكون ملما ببعض الاتجاهات والمذاهب التي يتبناها البعض. في واقع حياتنا، ويطرحها كبديل عقائدي وإديولوجي عن معتقداتنا. وهذا الالمام ليس بإلمام المختص. ولكن يكون متوفرا على الحد الادنى من المعرفة. الذي يؤهله على الاحتكاك بمختلف التوجهات ، لأن المعركة اليوم بقطع النظر انها معركة تربوية وقدوة وتأطير فهي معركة العلم والمعرفة. والغريب في الامر ان بعض الناس لا يزال يظن ان المواجهة اليوم مع الفرق الكلامية التي ظهرت بدايتها في العصر الاموي ثم ذاع صيتها في العصر العباسي ولم يعلم ان المعركة اضحت مع اتجاهات الفكر الغربي وغيرها من فلسفات واتجاهات مادية وصهيونية وعنصرية جعلت هدفها بالاساس محاربة الاسلام لأنها تعتبره العقبة الكأداء أمام تحقيق اهدافها المتمثلة في السيطرة على الشعوب واستحمارها. كما يحارب لانه يقف سدا منيعا امام الإباحية ومختلف الرذائل ويواجه النهب وجميع الموبقات المخالفة للطبيعة البشرية. والمعضلة الكبرى ان هناك من المنتسبين للاسلام لا يحيطون علما حتى لما هو معلوم من الدين بالضرورة والذي لا تستقيم عبادة المرء إلا به ، سيما وان القاعدة تقول لا يحل لامرئ مسلم ان يقدم على امر ما حتى يعلم حكم الله فيه.
وقد إستفحل الجهل بين هؤلاء ومن علامته اعتبار فهمهم هو الفهم الصحيح. وان لم تقل ما يقولون فأنت خارج عن سياق الاسلام. فعندما يسمعون كلاما لم يألفوا سماعه يعتبرون ذلك ضلالا ومروقا ، والأمر يعود الى تفشي الجهل بينهم وليس مخالفة للشرع. وقد قيل قديما من قل علمه كثر اعتراضه.
ومن ثم هل يعبد الله بلا علم؟
ولذلك يمكن التأكيد ان حاجة الإنسان الى العلم ضرورية اكثر من حاجته الى الغذاء. ولذلك قال الامام احمد رحمه الله ان الناس احوج الى العلم منه الى الطعام والشراب. لان الطعام والشراب يحتاجون اليه في اليوم مرة او مرتين. والعلم يُحتاج اليه في كل وقت.
ولقد اورد ابن القيم رحمه الله ان بعض السلف قال : من عبد الله بغير علم كان ما يفسد اكثر مما يصلح واردف قائلا والاعمال انما تتفاوت في القبول والرد بحسب موافقتها للعلم ومخالفتها له. فالعمل الموافق للعلم هو المقبول والمخالف له هو المردود. فالعلم هو الميزان وهو المحك. ولذلك ورد في الحديث الصحيح "إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغي به وجهه. "وقد قال الفضيل بن عياض : ان العمل اذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل. واذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا وصوابا. فالخالص ان يكون لله والصواب يكون على السنة. ولذلك إن العابد بلا علم كسائر بلا دليل. ومن ثم قال ابن تيمية رحمه :الله: من فارق الدليل قد ضل السبيل. ولا دليل الا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. ويخلص ابن القيم الى ضرورة التكامل والانسجام بين العلم والعبادة دون التركيز على احدهما واهمال الاخر، فان قوما طلبوا العبادة وتركوا العلم حتى خرجوا بسيوفهم على أمة محمد صل الله عليه وسلم. ولذلك ان كثيرا من التجاوزات التي تحصل من بعض الأطراف جاءت نتيجة جهلهم بالاسلام وحقائقه. وسببوا أزمة حقيقية كان بالامكان عدم الوقوع فيها ، لو كلفوا انفسهم بدراسة الاسلام والاطلاع على ما يسود الواقع من تصورات مناقضة له. لان معرفتها والالمام بها يسهل كيفية التعامل معها من اجل تفنيدها لأنه لا يمكن ان ننتقد شيئا ونحن نجهل حقيقته