هل يمكن اعتبار القرآن والسنة تراثا؟

 


بقلم : الأستاذ إبراهيم الناية مدرس سابق لمادة الفلسفة.

 لقد انطلق المسلمون في ثقافتهم وتأملاتهم ونظرتهم إلى الوجود. من مبدأ اساسي ، وهو انه لا يمكن ان يصلح آخر هذه الامة الا بما صلح به اولها. ويقصدون بذلك العودة الى الاصل المتمثل في القرآن والسنة. ومن خلال دراستهما وقراءة الكون بدأ المسلمون في صناعة الفكر الاسلامي الذي يطلق عليه اسم التراث. ولكن بعض الناس يقع في الخلط اثناء حديثه عن التراث. إما جهلا او عمدا نتيجة الخلفية الايديولوجية التي ينطلق منها في تحديد مفهوم التراث. فماذا نعني بالتراث  الإسلامي؟ ?

 وكيف نشأ؟ وكيف يمكن فهمه؟

وما الفرق بين التراث والميراث ؟وهل يمكن ان نطلق على القرآن والسنة مصطلح التراث؟ واذا كان الغرب ومن خلاله اتباعه يشنون حملة انتقادات شعواء على التراث الاسلامي. فلماذا رحَّل الغرب كميات ضخمة من المخطوطات الاسلامية اثناء الحملات الاستعمارية واودعوها في مكتباتهم اذا كان التراث الاسلامي لا يجدي نفعا ؟ وهل المنتقدون للتراث الاسلامي ينطلقون في انتقاداتهم من منطلق المنهج العلمي او من الخلفية الايديولوجية.؟ وقبل الجواب نريد ان نؤكد على امرين : اولهما اذا كان السير يقتضي الحركة فان انطلاقته لابد ان تكون من نقطة ثابتة، وثانيهما انه ينبغي الاستفادة من تجارب الأمم والشعوب شريطة اخضاعها لرؤيتنا وقيمنا وعقيدتنا. لان لكل امة قيمها المستمدة  من عقيدتها وثقافتها. وهذا هو مكمن الخلاف. 

فدعاة التغريب  في مجتمعاتنا يرون انه لا يمكن الحديث عن النهضة او التقدم او العصرنة الا باحداث القطيعة النهائية مع التراث الاسلامي. لأنهم اعتبروه عائقا للحركة والتغير والتحول.  لكن اي تحول وتغير يريدون ؟ ويقصدون بالتراث الاسلامي ليس فقط الإبداع البشري الذي حصل في فترة تاريخية من حياة المسلمين. وانما يلحقون به القرآن والسنة. باعتبارهما مستغرقين من قبل الزمان والمكان. وبنعتهما بالانتاج البشري. وفي المقابل هناك الطرف الاخر الذي يرى أنه لا يمكن الربط بين التراث والتخلف. لأن الانسان وطريقته في التفكير والقيم التي يحملها هي صانعة التخلف او التحضر ، و أن الانسان لا يمكن أن يحقق اي إنجاز في ظل التبعية ، فمن لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل.

 إن مبدأ النزاهة الفكرية يقتضي التقيد بمنطق الموضوعية ومن هنا يتعين بداية التفريق بين الاسلام كمنهج للحياة والمتمثل في القرآن والسنة  باعتبارهما وحيا ولا علاقة للجهد البشري بهما وبين التراث الذي هو الذي هو إبداع بشري انتجته العقلية المسلمة في مرحلة او مراحل تاريخية معينة تناولت تفاصيل القول في هذا الميراث نتيجة اختلاف الظروف والاحداث والبيئات أو نتيجة التعامل مع مختلف التأملات الطبيعية. 

ولذلك إن التراث هو ذلك الانجاز الفكري أو العقلي المتمثل في مختلف جوانب الفكر الاسلامي ، او هو ذلك التأمل الكوني او القراءة للاصل الاسلامي الذي هو الكتاب والسنة ومن ثم نشأ التراث الاسلامي مع النهضة الحضارية التي احدثها الاسلام بداية من تحرير الانسان من العبودية والرق والظلم ، وفتح المجال للعقل الانساني ليتحرر من براثن القبلية والعنصرية ومن كل مخلفات الجاهلية. ولذلك هناك ضوابط لفهم التراث، فلا ينبغي ان تخضع قراءة التراث للاهواء والنزوات والانفعال او القراءة من خلال بنية فكرية تختلف في منطلقاتها مع منطلقاته ليصبح الامر بعد ذلك محاكمة وليست قراءة. ومن ثم ينبغي فهم التراث من الداخل فاللغة مثلا ينبغي تطويرها من الداخل وليس من خلال بنيات لغوية اخرى تختلف عنها. 

لكن هل يمكن الاستغناء عن التراث؟ وهل يمكن لأية أمة ان تسعد بالغاء تراثها ؟ ولماذا لم يتخل الغرب عن تراثه؟.

 يرى باحث مغربي ذائع الصيت. انه لا يمكن إلغاء التراث إلا بعد تحقيقه غير أن "باسكال"  سيتخذ موقفا آخر " إن كل إنسان لابد من أن يستفيد أولا من الفكر الذي تركه من سبقوه  ،ثم يزيده إن كان عنده استعداد لذلك ". ولكن قد لا نجد هذا الموقف معتمدا في كثير من الحالات فمتفلسفة الاسلام مثلا قد قرؤوا الاسلام من خلال ثوابت العقل اليوناني ولذلك يقول الشهرستاني بهذا الصدد  " قد سلكوا كلهم مسلك "ارسطو طاليس" فيما ذهب إليه وانفرد به سوى كلمات يسيرة ربما رأوا فيها رأي افلاطون والمتقدمين" . غير ان موقف متفلسفة الاسلام هذا لا يمثل التراث الذي صدر فيه المسلمون عن ذواتهم. 

وفي العصر الحديث نجد طه حسين وزكي نجيب محمود  وادونيس وغيرهم كثير ، يعتبرون ان القرآن والسنة ضمن التراث  ،فطه حسين في كتابه "في الشعر الجاهلي" قد شكك في وجود الشعر الجاهلي واعتبر ان القرآن هو الذي يمثل الحياة الجاهلية أصدق تمثيل ،فهو مرتبط اذا بتلك المرحلة التاريخية فقط ، ومن ثم فهو صناعة بشرية ، وقد ذهب زكي نجيب محمود أبعد من ذلك في كتابه " خرافة الميتفيزيقا  " ورأى أن الأسماء التي  لا حضور لها في الواقع غير موجودة اساسا . ولكن يتناسى حملة الفكر الغربي انهم غارقون في التبعية فليس لهم استقلال فكري ولا حرية الارادة. فكيف يمكن ان يكون الانسان حرا وهو يفكر بعقل غيره. ؟ ولذلك ان كثيرا من الافتراءات التي يطرحونها حول التراث الاسلامي. ليس لها وجود إلا في عقولهم ومخيلتهم ، لقلة  معرفتهم به أصلا . وهم مع ذلك لا يقبلون الحق في الاختلاف ولا يتحملون فكرا يخالف تصوراتهم . والغريب ان هؤلاء ينعتون غيرهم بالسلفية ونسوا انهم بدورهم لهم قدوة ومسار فكري يسيرون وفقه ويجدون فيه المثل الاعلى والنموذج الذي يتعين اتباعه والاقتداء به ، افلا يحق لغيرهم ان ينعتهم بدورهم بالسلفيين ؟!

طانطان 24