هل يمكن أن نحقق النصر والتمكين في ظل التبعية ؟

 


بقلم:ابراهيم الناية مدرس سابق لمادة الفلسفة 



قد يتساءل البعض : كيف ننهض ؟ هل بالتبعية والذوبان في الآخر ؟ أم بٱستقلال الإرادة وبناء العقل؟ أي كيف تكون لنا كلمة واضحة بين شعوب الأرض ؟ وماهو الإنسان الذي يمكن أن يغير و يبني و يساهم في تحقيق التمكين والنصر والغلبة ؟ هل الإنسان الذي يفكر بعقله ويستفيد من التجارب و يسعى جاهدا إلى بناء ذاته ؟ أم الشخص الذي يفكر بعقول الآخرين ويرى النهضة في ما حققوه من أفعال ؟ وماهي العوامل والأسباب المؤدية إلى التمكين والنجاح ؟ 

لعل الجواب عن هذه الأسئلة يضعنا أمام منظومات فكرية مختلفة المنطلقات والمبادئ : فهناك دعاة التغريب الذين يرون أن معنى الحياة هو ما حدده النموذج الغربي بكل تفاصيله ولذلك يذهب هؤلاء إلى أن نذوب في الغرب، نفكر كما يفكر ، ونصرف الحياة كما يصرفها، أي أن نسير خلفه ونحذو حذوه دون الإلتفات إلى أن لكل أمة خصوصية تميزها و مسارا تسلكه في حياتها ، ونسي هؤلاء أن الغرب المعاصر اليوم يزحف نحو الإنهيار رغم ما يملكه من تقدم تقني ومادي و ما يوفره من وسائل لأنه أصبح يحمل في ثناياه عناصر فنائه، فعندما تنهار القيم والأخلاق ويتغير مفهوم الإنسان من كائن يحتل موقعا مركزيا في الوجود إلى كائن مستهجن همه الأكبر هو تحقيق المآرب المادية والسقوط في الوحل إلى أبعد الحدود، فعندما يجعل الإنسان من نفسه عبدا لهوى النفس والشهوات والرذائل، هل بإمكانه أن يساهم  في معركة تحرير البشرية و بناء حضارة إنسانية ؟ 

فما من أمة شاعت فيها الفواحش والرذائل و ممارسات قوم لوط إلا كانت نهايتها الفناء لأنها خالفت قانون الحياة في خلق البشر، وغاب عن المبشرين بالثقافة الغربية أن الأخلاق والقيم الربانية هي التي تعطي للمجتمع الإستمرارية والتماسك الداخلي، و ٱعتقد هؤلاء خطأ أن تحقيق الذات يتجلى في معصية الخالق وهم بذلك يسعون جاهدين إلى تغيير بوصلة المجتمع و تدميره من الداخل و لكن سيكون الفشل حليفهم لأن صنيعهم يخالف منطق قوانين الوجود، و لو تأملوا هذا السؤال لأراحوا أنفسهم : أية حركة في التاريخ حررت الإنسان التحرير الحقيقي و وضعته في مكان العزة والكرامة ؟ 

إن الداعين إلى الإنسلاخ من القيم و الأخلاق و الفضيلة معتبرين تلك القيم رجعية و تخلفا ينبغي التخلص منها إذا أردنا الإلتحاق بمصاف الدول الراقية، بل قد أغلظ القول كثير من المنبطحين أمام ثقافة الغرب في أن سبب تأخر المسلمين هو تمسكهم بالإسلام و أن ٱنهيار التعليم مثلا يعود إلى تدريس المواد العلمية باللغة العربية و هذه هي شيم المتربصين الذين يطلقون الأحكام على عواهِنها بدون حجة ولا دليل .

و من ثم إن ضخ كثير من التصورات الغربية الحاملة للإستلاب و اليأس و القنوط داخل مجتمعاتنا قد ساهم إلى حد كبير في تقديم صورة مشوهة عن القيم التي تعد حافزا و محركا أساسيا لإثبات الذات لتنشأ بعد ذلك عند كثير من الشباب شخصية مفككة و مبعثرة مما صعَّب الأمر عليهم في بناء مشروع الحياة. 

نعم لابد من الإستفادة من التجارب في مختلف المجالات ولكن على شرط أن ننطلق من منظومة مرجعية متماسكة قائمة على الإيمان بالله ثم العلم و الإخلاص و الإستقامة في العمل، وهذا يدل أن مغادرة مربع التخلف لا يمكن أن يتحقق في مجتمع يسوده الجهل و الفوضى و التسيب و الإنهيار الأخلاقي، وهذا يجرنا إلى الحديث عن عوامل التمكين : 

 و أول عوامل النصر أن يعرف الإنسان ماهو؟ فلا يمكن أن يتحقق النصر لأمة فاقدة العنوان والهوية و لا تستند في قيامها على مبادئ الحق والعدل و القيم الصحيحة. ولكن قد يتساءل البعض لماذا نجحت شعوب ليست لها قيم ربانية و لا تؤمن حتى بدور الخالق في الوجود؟ و لم يعلم صاحب السؤال أن هذه الشعوب ٱتخذت الأسباب المادية و تسلحت بالعلم والمعرفة فكان لها ما أرادت في حين أن الإنسان المسلم لا يمكن أن يحقق التمكين إلا بشرط الإيمان بالله و الٱستقامة في العمل و تبني العلم و ٱتخاذ الأسباب المادية. و إذا كان الأمر هكذا فلا يمكن أن يتحقق النصر في إطار التبعية و عدم ٱستقلال الذات و الإرادة، فالإنسان المسلم له موقف محدد و شخصية متميزة عن غيره من البشر لأن لديه رؤية تخصه مستوحاة من المنهج الإلهي و لذلك عليه أن يقدم ما يريد قوله إلى الناس في صورة سلوكية واقعية لأن الناس لا يتأثرون إلا بالممارسات الواقعية و رغم ذلك ينبغي عرض حقائق الإسلام حتى تكون واضحة جلية تحت ضوء الشمس.

إذا، نحن أمام رؤيتين مختلفتين في المنطلقات والجذور :  رؤية تتسلح بالعلم والإيمان و تماسك الأسرة و تحافظ على القيم والترابط والسكينة و رؤية أخرى تتسلح بالعلم و لكنها تفكك الأوصال الأسرية و يسود مجتمعها القلق و الٱظضراب و الأزمات النفسية، فأي الرؤيتين سيفضل الإنسان؟

طانطان 24