إبراهيم الناية : كيف تبدو الحياة بدون استقامة ؟



بقلم : ذ ابراهيم الناية مدرس سابق لمادة الفلسفة 

قد يتساءل المرء عن جدوى طرح مثل هذه الموضوعات في مجتمع لم يعد البعض من أفراده يلتفت إلى القيم ومبادئ الفضيلة ، بل اصبح ينظر إلى الأشخاص الذين يتناولون مثل هذه الموضوعات نظرة الدونية والاقصاء ، ولكن لا غرابة في ذلك على الذين اتخذوا ( أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون). شعارا لهم يرددونه في كل وقت وحين ، غير أن موضوع الإستقامة يتجاوز مثل هذه التصورات بكثير لأن الحياة لا يمكن أن تستمر بدون الإستقامة والانضباط وأن التاريخ لا يُصنع إلا من خلال البذل والعطاء ، ومن ثم إن الاستقامة لا يمكن أن تأتي هكذا بدون بذل جهد وعناء ، بل لا بد من رؤية وفكر وتربية أولا. وعليه لزم التساؤل: كيف تبدو الحياة بدون استقامة ؟.

وماهو الفكر الذي يجعل من صاحبه إنسانا مستقيما لايقبل الدنية في دينه وعرضه وكرامته ؟ أي ماهو الفكر أو التصور الذي يصنع الإنسان المستقيم الذي تعرض عليه كل المغريات ولكنه يبقى شامخا لا يسقط ؟.

قد يكون من بين الدوافع وراء طرح هذه الأسئلة أنك تفاجأ بتصرفات نماذج بشرية لا تؤهلهم للإنتماء إلى دنيا الناس ، وبذلك يحضر لديك التساؤل أية تربية تلقاها هؤلاء وأي فكر كان وراء صناعتهم على هذا المنوال ؟.

في البداية ينبغي أن نؤكد: أن الاستقامة ليست شعارا أو خطابا استهلاكيا أو دغدغة عواطف بل إن الاستقامة هي الممارسة التي تعطي للنقد حجته أو تعمل على تفنيده ، وقد ثبت عند علماء التربية أن السلوك والقدوة أكثر عطاءً من النظرية رغم اهميتها ، ولذلك تعتبر الاستقامة هي المحك والعنوان الحقيقي للإنسان ، فكثير من الهيئآت تملأ الدنيا ضجيجا مبشرة أو منذرة ولكن الناس لايلتفتون إليها لأنهم قد ملوا من الخطابات الجوفاء التي لا رصيد لها في الواقع ، أو أن سلوك وممارسة اصحاب هذه الهيئآت قد ابان عن قصورهم وضعفهم أو التناقض بين القول والفعل.وقس على ذلك عندما ترى بعض الناس يتمظهر بمظاهر التعفف وقد يقوم خطيبا في القوم ولكن سلوكه وتصرفاته تفند ما يدعي من مزاعم ، وقد يتغيب البعض أو يتأخر عن وقت العمل أو يحضر ولكنه لا يقوم بواجبه الذي يتقاضى الأجرة عنه ، فهذا السلوك مناف لمنطق الاستقامة الذي خلق الله كل شيء على أساسه ، وقد استسهل بعض الناس خيانة الأمانة بمعناها الشامل وشاعت بينهم عقلية التبرير للتغطية على فعل المنكر والمحرمات وأكل الحرام بكل انواعه واشكاله مستخدمين في ذلك شعارات لا قيمة لها في ميزان الحق ، ولكن كل ذلك لا يجدي نفعا لأن الاستقامة ينبغي ان تتم وفق ما اراده الله (فاستقم كما اُمرت ) وليس كما يريد البشر ، فمفهوم الاستقامة لا ينبغي ان يكون محل تأويلات أو مناكفات لأن مفهومها قد حدده الخالق سبحانه ، فعبادة الخالق لا تتم إلا بما أمر به وليس ما يحب المرء ويشتهي . ولذلك هناك تلازم بين الإيمان والاستقامة فقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي عمرو سفيان بن عبد الله: "قلت يا رسول الله (صل الله عليه وسلم) قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك. قال : قل آمنتُ بالله ثم استقم ". ولذلك فالاستقامة سلوك وممارسة ، فالكل متفق على أن السنة قول وفعل وصفة وتقرير ، ولكن بعض الناس يهتم بالقول فقط رغم اهميته القصوى ولكنه يترك الفعل والصفة التي تعطي المصداقية للقول. فالتربية قائمة على السلوك والفعل وليست لغوا من الكلام فعندما تجد بعض عِلْية القوم يتشاتمون مثل ما يفعل جهلة الخلق في الأزقة ، فاعلم أن التربية انعدمت أو أصابها الخلل لأنها لم تقم في الأصل على الاستقامة ، وكيف نطلب من الأطفال أن يكونوا مستقيمين وهم لم يتلقوا القدوة والنموذج في المدارس فقد ألفوا أخذ شيء لا يستحقونه وأن يصلوا إلى هدف لم يبذلوا فيه جهدا تحت شعار " مدرسة النجاح" .

ولذلك إن الاستقامة لا تتحقق إلا عندما يكون الانسان مستقيما فكرا وسلوكا حينئذ يشعر بالاطمئنان والسكينة، فتلك هي حلاوة الحياة. فهل يمكن أن تقوم رحابة الحياة بلا استقامة ؟.

0/Post a Comment/Comments