إبراهيم الناية : عندما يصبح الفساد ايديولوجيا

 


 بقلم : الأستاذ إبراهيم الناية /مدرس سابق لمادة الفلسفة.

يتحدث الكثير من الناس عن الفساد والمفسدين ، لكن دون أن يكلفوا أنفسهم تحديد مفهومه ، وتقديم الحلول الملائمة لمعالجة هذه الآفة التي خربت كثيرا من المجتمعات ، فإذا كان فساد الشيء هو تلاشيه وعدم صلاحيته ، فإن فساد المجتمعات هو الاخلال والخروج عن النظام القائم على مبدأ الحق والعدل ، الذي خلق الله السموات والأرض عليه. وهكذا تبدأ حكاية الفساد عندما تطغى النظرة المادية ويصبح الناس ينظرون إلى الحياة على أنها استجابة لمطالب الجسد وعبادة للاشياء ، وليس للحياة أبعاد أخرى ينبغي تحقيقها ، ومن ثم ينتشر الفساد في المجتمع عندما تسود الحياة المادية وتنتفي القيم الأخلاقية ويسود الظلم والاستبداد ويغيب العدل والمساواة ، ولذلك لا يبقى الفساد منحصرا في الفساد الأخلاقي أو الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي بل يصبح بنية مترابطة الحلقات تتجسد في عقلية لها رموزها الذين يدافعون عنها من اعلاميين وغيرهم ، وهذا هو الأمر الصعب عندما يصبح الفساد سلوكا يوميا واديولوجيا ، ولكي يثبت هؤلاء اركان مشروعهم فإنهم يتبنون حملة منظمة على القيم الأخلاقية من اجل تخريب المجتمع من الداخل لتسهل السيطرة عليه ،  ومن المعلوم أن المجتمع عندما يعيش أزمة القيم فتلك هي البداية في تفككه ، فالازمة الأخلاقية كانت وراء انهيار امبراطوريات بكاملها كالامبراطورية الرومانيه، فانهيار القيم يترتب عنه انتفاء التماسك الداخلي للمجتمع ، بل يغيب الخيط الناظم بين كل الفئآت  المجتمعية. وهكذا نجد أنه عندما يستشري الفساد في المجتمع ويتغلغل في احشائه يصبح المجتمع يتكلم بخطاب الفاسدين وينظر إلى الإنسان المستقيم الذي ينجز عمله وواجبه بصدق وأمانة نظرة استهزاء لأنه لا يريد مسايرة منظومة الفساد ، ولذلك يصبح البعض يتضايق من قيامه بواجبه لأنه لا يشاركهم افعالهم وسلوكاتهم . وكأن لسان الفاسدين يلوك ما قاله قوم لوط " أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون".

وفي واقع حياتنا نجد من يشتكي من تصرفات بعض مسؤولي المؤسسات التي يقصدها لقضاء بعض المآرب وقد يوجه نقدا لاذعا للقائمين على الخدمة في تلك المؤسسات لأنهم لا يستجيبون لمطالبه التي قد تكون معقولة أو غير ذلك ، ولكن هذا الشخص الذي يحتج عندما تقصده في مقر عمله تجد أن تقصيره وتفريطه أكثر بكثير من الذين ينتقدهم ، وهذه آفة تسود مجتمعاتنا فنحن نطالب غيرنا بالانضباط والاستقامة ونحن غير مستقيمين. وهي إزدواجية أصبحت سائدة نتيجة إنتشار الفساد وانحطاط القيم الأخلاقية وعدم الشعور بالمسؤولية وهي أمور نشأت عن خلل عميق انتاب منظومة التربية ، فكل الناس ينتقدون ولكنهم بدورهم لا يقومون بالواجب ، وهذه عاهة تسود المجتمع وهي المطالبة بالحقوق وعدم القيام بالواجب ، أو ابتغاء الإنسان الوصول إلى هدف دون أن يبذل مجهودا. كما أننا نرى في واقعنا كثيرا من الذين يمارسون النقد على حد زعمهم يوجهون سهامه لمخالفيهم الرأي ويبحثون عن الأسباب من اجل الحاق الأذى والضرر بسمعتهم فهم يستصغرون أخطاءهم وإن كبرت ويستكثرون أخطاء غيرهم وإن صغرت ، وهذا هو الاجحاف في القول وعدم النزاهة في الحكم ، كما أننا نجد كثيرا من المتأدلجين  ينادون بشعارات تهدف إلى نقد الفساد ولكن ممارساتهم العملية تفند مزاعمهم ،لأن نقد الفساد لا يقتضي طرح مفاهيم فكرية مناقضة له فقط بل لابد من طرح بديل عملي سلوكي تراه العين ويلمس آثاره الناس وإذا كان الأمر هكذا فماهو النمط الفكري الذي يولد في الإنسان الانضباط وحب الإستقامة والالتزام بممارستها ؟ أي ماهي الثقافة البانية التي تواجه ثقافة الهدم والتخريب التي يمكن اعتبارها هي الأساس الفكري للفساد ومشروعه ؟ 

وللجواب: ينبغي الاقرار أولا أن الفاسدين لايمكن ان يصلحوا واقعا لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، وثانيا إن ثقافة الميوعة والانهزام والتبعية لايمكن أن تؤسس مشروعا مجتمعيا هادفا: وثالثا لايمكن لأي مجتمع أن يتقدم في ظل الفساد وغياب الإستقامة ولذلك ينبغي صياغة المجتمع وبنائه على أسس علمية تستمد مشروعيتها من رقابة الخالق.

0/Post a Comment/Comments