هل الحداثة إبداع أم تقليد ؟.



بقلم: ذ إبراهيم الناية /مدرس سابق لمادة الفلسفة 

يكثر الحديث عن الحداثة ولكن دون أن يكلف البعض نفسه في تحديد مفهومها. فهل الحداثة إبداع أم تقليد ؟ وهل الخروج من التخلف يتطلب منا أن نسلك مسلك الغرب في كل ما ذهب إليه وانفرد به ؟ أم إن الأمر يقتضي بناء العقل والاعتماد على الذات ؟ .

إن المعرفة ليست ملكا لأحد ، ولكل مجتمع الحق  أن ينشئ نهضته التي تنسجم مع ذاتيته وخصوصيته . ولكن الغريب في الأمر أن البعض يعتقد أنه إذا ردد مفاهيم الفكر الغربي ومقولاته ومارس سلوكاته ، أصبح من الحداثيين ، والواقع أنه إنما وقع في براثن التقليد ولم يعلم أن الحداثة إبداع ترتبط بعقول ابناء المجتمع الذي يتواجدون فيه . وليست الحداثة بحثا عن حلول لمشاكلنا انطلاقا من حلول عالجت مشاكل مجتمعات أخرى تنفصل عن واقعنا . ومن ثم إن الحديث عن الحداثة يبقى معلقا ما لم نعتمد على الذات وكيفية تطوير القدرات وصياغة بنيات المجتمع ومختلف تمفصلاته استنادا على المنهج العلمي الذي سيؤدي إلى الخروج من التخلف والتغلب على الجهل والفقر والمرض ، ولذلك إن الحداثة لا تتجسد في محاربة المعتقدات الاسلامية وإنما هي القراءة الواعية للطبيعة وكيف نستثمر تلك القراءة من أجل اسعاد الإنسان وتحقيق العدل والمساواة ؟. 

وعلى هذا الأساس كيف نستيقظ من السبات أو من الحالة التي نعيشها ؟ .

وهنا نريد ان نؤكد على امرين:

اولهما : رفض الوصاية فلا يمكن أن يكون لنا ذكر يذكر ونحن لا نفكر بعقولنا وإنما نفكر بعقول الآخرين وهو الأمر الذي يتطلب رفض التبعية والذوبان في الآخر. فلا بد من استقلال العقل والإرادة.فكل شعب لا يستطيع أن ينتج غذاءه ودواءه ووسائل دفاعه عن نفسه محكوم عليه بالتبعية والانصياع . 

وثاني الأمرين: إن أفضل الطرق بأفضل النتائج . فما النتيجة التي جنتها شعوبنا من تبني اطروحات الفكر الغربي ؟ وهل الفكر الذي أدى بأصحابه إلى أن يكونوا ادوات الاستعمار والاحتلال والاستحواذ على خيرات الشعوب المستضعفة وبتبني عقلية الهيمنة والاستعباد ؟ هل بإمكان هذا الفكر أن ينقذنا نحن الشعوب المتخلفة مما نعيشه من مشاكل وآهات ؟.

لقد حاول الغرب أن يجيب عن سؤال كيف نخرج من التخلف ؟ وقد تولى الإجابة " فرانسيس بيكون" بقوله : " بالعلم والمعرفة نسيطر على العالم". 

ولم يقف الغرب عند هذا الحد بل درج على التشكيك في كل التصورات التي كانت تطرحها الكنيسة لأنها كانت اديولوجية الطبقة الإقطاعية التي تحارب العقل ومختلف ابتكارات الإنسان. وللأسف إن دعاة الحداثة في مجتمعاتنا لم يستهويهم إلا محاربة القيم الإسلامية وكأن أن الإسلام هو المسيحية وبذلك حضرت الاديولوجيا في رؤيتهم وغاب العلم كما عبر عن ذلك "طه حسين ":  "إذا اردنا أن ننهض فعلينا أن نسلك مسلك الغرب ونصرف الحياة كما يصرفها".

إن الحداثة مفهوم واسلوب يتعلق بكل جوانب الحياة الإنسانية ولا يمكن للحداثة أن تتحقق إلا إذا توفر الشرط اللازم لها.وهو أن تكون هناك ذات تعي ذاتها وتعترف بها وتفكر بعقلها لا بعقول الآخرين ولها إرادة حرة ومستقلة من أجل تحقيق اهدافها ، وهو الأمر الذي يتطلب بناء العقل والاعتماد على الذات ورفض التبعية ، وفضلا عن ذلك تتجسد الحداثة عندما تتحقق انسانية الإنسان لأن منطق الحداثة يتنافى مع عالم البهيمية القائم على الظلم ، والحداثة لا تقتصر على جانب واحد من حياة الإنسان ، فهناك الحداثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وكثير من دعاة الحداثة في مجتمعاتنا لا يتحدثون عن الحداثة السياسية علما ان كثيرا من مجتمعاتنا تحكمها عقلية القرون الوسطى القائمة على العبودية ، كما أن التصورات الخرافية والنزوات الانفعالية مازالت سائدة في واقعنا الاجتماعي ، وفي عالم الاقتصاد تئن معظم مجتمعاتنا تحت وطأة الرأسمالية المتوحشة وهيمنة عقلية السطو والاحتكار. ورغم كل هذا لا ينقطع دعاة الحداثة في مجتمعاتنا على التشكيك في المعتقدات ظنا منهم أن ذلك سيؤهلهم ليتبؤوا مقام الحداثة ولم يتفطنوا أن الحداثة إبداع وليست تقليدا ولكنها المهمة التي كلفوا بها.

طانطان 24