الأستاذ إبراهيم الناية :الإنسان كائن أخلاقي.


 بقلم : الأستاذ إبراهيم الناية مدرس سابق لمادة الفلسفة 


إن السؤال ما الإنسان؟ أصبح يطرح اليوم بإلحاح نظراً لتشابك المواقف الفكرية المختلفة في منطلقاتها وتوجهاتها، الأمر الذي يقتضي تحديد النظرة إلى الإنسان، قبل الدخول في أية مشاريع ثقافية أو فكرية ترتبط بتنمية هذا الإنسان وإشعاره بمسؤوليته وواجباته، فهل الإنسان كائن أخلاقي يحتل موقعا مركزيا في الوجود ويسعى إلى تحقيق القيم والمبادئ التي تعلي من شأنه وتهدف إلى تحقيق كرامته ؟ أم إن الإنسان تتجسد حقيقته في البعد المادي المتجلي في المطالب المادية فقط ؟.

إن الجواب عن هذا السؤال هو الذي سيقدم التصور الحقيقي عن الإنسان وماهيته وحقيقته وسر وجوده في الحياة، ومن هنا تطلب الأمر  التلازم بين وجود الإنسان والبعد الانساني والاخلاقي له، فمن المعروف أن كل سلوك او تصرف يدل على المضمون الفكري للاسنان، كما أن العبارات والألفاظ التي يتحدث بها تعكس مدى تحضر الإنسان أو سقوطه وضحالته ، وبالمقارنة بين السلوك الإنساني والحيواني يقتضي الموقف الإقرار والتأكيد أن الحياء صفة إنسانية في حين أن العري صفة بهيمية لأن البهائم ليس في قدرتها ستر عورتها ، أما الإنسان فله الاستطاعة على فعل ذلك ، لأن السلوك الإنساني سلوك معلل ومنظم يصدر عن ما في النفس من تصور واعتقاد ، أما السلوك الحيواني فهو غريزي وعفوي وتلقائي ، ومن ثم فعندما يتصرف الإنسان تصرفات بهيمية فقد خرج من المربع الإنساني وانخرط في دائرة السلوكات الحيوانية ولذالك إن الشعوب الأصيلة هي التي تحافظ على ذاتيتها ومقوماتها لأنها هي الضمانة من أجل استمراريتها وعدم ذوبانها وتآكلها بل هي التي تعطيها العنوان المميز لها ، أما شعوب الذيل التي تمثل التبعية في كل شيء وتفكر بعقول الآخرين وتزن الأمور بميزانهم فقد تتلاشى لأنها فرطت في خصوصيتها وأصالتها وأصبح مستقبلها في مهب الريح ، لأن التقدم يقتضي الذات الواعية بذاتها التي تريد بناء مستقبلها بنفسها، فنجد مثلا أن اليابان خرجت من الحرب العالمية الثانية منكسرة ولكنها راهنت على العلم وتربية الإنسان ، ولم تراهن على التفاهة والضحالة والسقوط الأخلاقي الذي تحاول توجهات معينة الترويج له داخل مجتمعاتنا ، فأذناب الإستعمار ما فتئوا يشنون الحملات التحريضية على الفضيلة والقيم النبيلة ، لأن ذلك هو المهمة التي كلفوا بها من اجل تخريب المجتمع من الداخل لتسهل السيطرة عليه ومن ثم يفقدونه المناعة والتماسك الداخلي ، وهكذا درجوا على تقديم صورة عن الإنسان وكأنه حيوان ليس له من هدف سوى الاستجابة للمطالب المتمثلة في الاشباع الغريزي، ولذلك يحركون خيلهم وبعيرهم لكل من يتصدى للرذيلة والتفاهة وكأن أمرا جللا قد حصل، بل يستعينون بالقوة القاهرة ويحرضونها على المخالفين لهم في الرأي لعجزهم عن المواجهة بالمنطق والبرهان وذلك هو سلام العاجزين ويوظفون في ذلك الإشاعات والاكاذيب ويُقَوِّلون الناس مالم يقلوا وهذا يدل على تهافت حجتهم ولا يلتزمون بأدب الاختلاف القائم على الحجة والدليل مما يدل على افلاسهم المعرفي .

وعليه إن الإنسان كائن أخلاقي هدفه في الحياة العيش بعقله وروحه وجسده من أجل تحقيق قيم العدل والمساواة والكرامة الإنسانية، ولذلك إن الإنسان الأخلاقي هو الذي يقدم القراءة المضيئة للوجود ، وليس القراءة القاتمة التي تنظر إلى الإنسان على أنه حيوان غبي واستهلاكي ليس له من هدف في هذا الوجود إلا الاستجابة للمطالب البيولوجية وتلك هي مهمة الحيوانات العجمى.

طانطان 24