د:بوشامة النعمة: التحولات الأسرية بمنطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب - مقاربة سوسيولوجية



إسم الباحث :النعمة بوشامة 

رتبته العلمية: باحث في علم الاجتماع – المغرب.

سلك الدكتوراه بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية- القنيطرة.

المصدر : المركز الديمقراطي العربي- برلين/ألمانيا.


ملخص:

يأتي مقالنا هذا لتقديم مقاربة علمية –قدر المستطاع- حول أبرز التحولات الأسرية بمنطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب الواقعة ضمن مجال الجنوب المغربي في الفترة المعاصرة، إذ شهد مجتمع هذا المجال ولا يزال في عقوده الأخيرة تحولات عميقة شملت مختلف بنياته لم يشهد نظيرها في تاريخه الماضي، وذلك راجع بالأساس إلى كون مرحلة استقراره ضمن حواضر ومدن أغلبها على مقربة من السواحل البحرية قد أدى إلى بروز قيم جديدة، الأمر الذي حفزنا إلى البحث العلمي الدقيق حول بعض مظاهر هذه التحولات، مسلطين الضوء على موضوع التحولات الأسرية بمجال الدراسة وذلك سعيا منا لمواصلة خدمة البحث العلمي والأكاديمي حول هذا المجال، معتمدين في ذلك على تقنية المقابلة المباشرة التي استهدفت خمسة عشر مبحوثا من فئات عمرية مختلفة.

الكلمات المفتاحية: 

التحولات، الأسرة، الزواج، المدينة.

Key words:

Transformations, family, marriage, , city.


مقدمة:       

    تعد الثقافة الشعبية الصحراوية موروثا غنيا للتحقيقات العلمية التي تشتغل عليها حقول العلوم الإنسانية، وعلى الرغم من ما طبع هذه الثقافة من تعدد أشكالها ومضامينها إلا أنها لا تزال موضوعا بكرا، لم يحظ بعد بعناية الدارسين من أبناء الأقاليم الجنوبية للمملكة، وفي الشق المقابل لا يمكن لنا أن نبخس الجهود الأكاديمية المتخصصة التي انكبت –في العقد الحالي- على دراسة بعض أصناف هذه الثقافة الشعبية، مما بات يحتم اليوم على مؤسسات البحث العلمي والسادة الباحثين المهتمين بالتراث الشعبي الصحراوي تخصيص أهمية نظرية ومنهجية، في ما يرتبط بمقاربة حدود الموضوع الشعبي ودراسة متطلبات المقاربة العلمية لظواهره.  ولذا فإننا سنحاول  التطرق لإحدى هذه المواضيع الشعبية كحالة ملموسة، ولذلك اخترنا لهذا الغرض حالة التقاليد المرتبطة بمؤسسة الأسرة الصحراوية وما طبعها من تحولات راهنة.

         لقد عرفت بنية الأسرة الصحراوية المعاصرة بمنطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب بصحراء المغارب تحولات جديدة هي انعكاس للتحولات المتعددة التي لا يزال يشهدها هذا المجتمع حديث الاستقرار والتمدن، وذلك بفعل عوامل مختلفة أبرزها معطى إقامة أهالي المنطقة بعد نهاية حياة الترحال على مقربة من الشريط الساحلي للمحيط الأطلنتي ضمن التجمعات والمراكز السكنية المحدثة، وكذا تدخل الدولة المركزية في عملية توطين أفراد المجتمع الصحراوي الرحال، بالإضافة إلى ما لعبته وسائط الإعلام وتدخل المحيط الخارجي (الشارع العام، دخول التكنولوجيا الحديثة..)، الأمر الذي أفضى إلى تراجع القيم التقليدية التي كانت تؤطر هذه المؤسسة، حيث تفككت نسبيا قيم التضامن العائلي التقليدية لصالح قيم الفردانية، المحكومة بطغيان المصالح الخاصة سواء على مستوى العلاقات بين الأفراد أو على مستوى مؤسسة الزواج، فكيف أثرت هذه التحولات الراهنة على النظام الأسري الصحراوي ؟ وهل لا يزال هنالك مفهوم للعائلة الصحراوية التقليدية المتماسكة على مستوى الأفراد وشبكة العلاقات ؟

             يأتي مقالنا هذا لتقديم مقاربة علمية –قدر المستطاع- حول أبرز التحولات الأسرية بمنطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب الواقعة ضمن مجال الجنوب المغربي في الفترة المعاصرة، إذ شهد مجتمع هذا المجال ولا يزال في عقوده الأخيرة تحولات عميقة شملت مختلف بنياته لم يشهد نظيرها في تاريخه الماضي، وذلك راجع بالأساس إلى كون مرحلة استقراره ضمن حواضر ومدن أغلبها على مقربة من السواحل البحرية قد أدى إلى بروز قيم جديدة، الأمر الذي حفزنا إلى البحث العلمي الدقيق حول بعض مظاهر هذه التحولات، مسلطين الضوء على موضوع التحولات الأسرية بمجال الدراسة وذلك سعيا منا لمواصلة خدمة البحث العلمي والأكاديمي حول هذا المجال، معتمدين في ذلك على تقنية المقابلة المباشرة التي استهدفت خمسة عشر مبحوثا من فئات عمرية مختلفة.

    ويرتكز موضوعنا هذا بشكل مباشر على جمع المعطيات الشفوية  اعتمادا على تقنية المقابلة المباشرة (وحتى غير المباشرة) وتقنية الملاحظة بالمشاركة، و كذا جمع المعطيات الدقيقة المفسرة لظاهرة التحولات الأسرية، التي عرفتها المنطقة من خلال اعتماد آلية المقابلات لفهم واقع ما بعد الاستقرار بالمنطقة، وآثار ذلك على البنيات والعلاقات الاجتماعية، من خلال فهم أنماط تكيف البدو المستقرين مع واقع المدن الحضرية ومؤسسات الدولة وانعكاسات ذلك على البنية الأسرية التقليدية للساكنة .

   كما  شكل اعتمادنا على تقنية المقابلة اعتبارا إلى كونها تتيح للمبحوثين فرصة التعبير عن تمثلاتهم وقناعاتهم وتصوراتهم حول الأسئلة المتعلقة بموضوع هذا المقال، مع التدخل لضبط المعلومات كلما تم الخروج عن صلب الموضوع، وذلك لجمع المعطيات المتعلقة بالاشكالية المركزية التي يدور حولها موضوع مقالنا هذا، كما أن اختيار  وضبط فئات العينة المتنوعة ما بين الكهول والشباب جاء بناءا على استحضار عامل المقارنة بين ماضي المنطقة والتحولات الراهنة الحاصلة بها، وقد تم انجاز هذه المقابلات بمجال الدراسة بداية من شهر مايو 2019م إلى حدود أواخر صيف تلك السنة، وذلك جهدا من أجل إثراء وتعميق البحث والدراسة الميدانية حول موضوع مقالنا المنصب على مقاربة أبرز التحولات الأسرية  بالمنطقة المدروسة.

في البدء: تحديدات مفاهيمية:

التحول:  (Transformation) يقصد به أن هناك تغيرا جذريا يقع في البنية الاجتماعية يفصل مع ما كان سائدا في السابق، بينما مفهوم الانتقال (Mutation) يعني تغيرا في البنية أو النسق دون أن تبلغ حدة ذلك المستوى الراديكالي والجذري، بل إنه يبقي على العديد من السمات المميزة للبنية، لكن يقع عليها انتقال في وظائفها أو علاقاتها أو شكلها، ويمكن اعتبار هذا المفهوم دالا على وقوع انزياحات في المنظومة القيمية التي تؤطر هذه البنية أو تلك.

الأسرة:  تعرف الأسرة من طرف علماء الاجتماع على أنها بمثابة مركز التنظيم الاجتماعي والاقتصادي القائم على توحيد طاقات أعضاء العائلة الواحدة، وذلك وفق توزيع نظام العمل الموظف لديها، والتعاون في ما بينهم من أجل ضمان تأمين المعيشة ورفع مستواها وتحسين أوضاعهم ومكانتهم، وكذا مواجهة خصومهم وتعزيز العلاقات مع الأصدقاء والحلفاء من العائلات الأخرى.. وبهذا يصبح الفرد داخل الأسرة مسؤولا ليس عن أفعاله الشخصية فحسب، بل عن أفعال وممارسات الأعضاء الآخرين، ومن هنا تقوم العلاقات الأسرية القائمة على قيم التعاون والتضحية والالتزام الشامل، وهذا ما يعزز لدى أفراد الأسرة مشاعر الاطمئنان والاستقرار النفسي في مواجهة الأزمات والنكبات المحدقة، حيث تقوم هذه القيم الأسرية على خلق التماسك بين أفرادها، لتعدو بذلك الأسرة إحدى الدعامات الرئيسية للمجتمع، إن لم نقل أنها الدعامة الأولى داخله، كما قد تصبح العائلة في الوقت نفسه عكس كل ما سبق، من خلال تعميق استغلال أفرادها ماديا ومعنويا وكذا طغيان قيم اللامساواة والظلم..

الساقية الحمراء ووادي الذهب: تقع في أقصى شمال غرب إفريقيا يحدها شمال إقليم الطنطان، وجنوبا رأس بوجدور، وشرقا لحمادة، وغربا المحيط الأطلسي، وتعتبر العيون عاصمتها. تنتمي المنطقة للصحراء الأطلنتية، والتي تمتد من وادي درعة شمالا إلى لكويرة جنوبا، والحدود الجزائرية شرقا، والمحيط الأطلسي غربا. وكانت منطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب تحت الإحتلال الإسباني من سنة 1884 حتى خروج أخر جندي إسباني منها سنة 1976 أي أنها خضعت للاستعمار قرابة قرن من الزمن، وسميت آنذاك بالصحراء الإسبانية، كانت تقطنها مجموعة من القبائل وهي قبائل الرقيبات والعروسين وإزركين وأولاد تيدرارين وأولاد دليم (حيدارة بشر أحمد، 1998 ،ص23).

أولا. راهن التحول الأسري بالمنطقة المدروسة:

   أفضت التحولات الراهنة على مستوى مؤسسة الأسرة بالمنطقة المدروسة إلى وقوع "انقلاب" بالكامل في بنيتها ووظائفها وأدوار أفرادها، حيث برزت إلى السطح ظواهر جديدة طارئة على المجتمع المحلي، إذ تراجعت سلطة الكبار لصالح قرارات الشباب في مواضيع خاصة كالزواج واختيار الزوجة، نتيجة لارتفاع نسب التمدرس وتبوأ الشباب مراتب عالية في التعليم، مما راكم لديهم تجارب وخبرات وانفتاح ثقافي غير مسبوق، وبالموازاة مع ذلك برزت ظاهرة ارتفاع تكاليف المناسبات الاحتفالية كنوع من إعادة انتاج دور القبيلة وإن شكليا (رمزيا) على الأقل، الأمر الذي جعل من هذه الاحتفالات الباذخة تعبيرا عن نوع من التناقض الحاصل، ما بين معدلات البطالة المهولة والناتجة عن ضعف فرص الشغل لدى الشباب، وإسراف مادي غير مبرر في إحياء مراسيم احتفالية تظاهرية قد لا تتعدى مدتها بضعة ساعات، فكانت النتيجة مجتمعيا مدوية من خلال حدوث ما يمكن أن نسميه "نكبة" اجتماعية مرتبطة بتأخر سن الزواج لدى الشباب وارتفاع العنوسة لدى الفتيات، هذا الوضع الدرامي جعل الطرفين من فئة شباب اليوم يفكران مليا في ضرورة خلق استقرار مادي قبل أي محاولة غير محسوبة العواقب لبناء أسرة جديدة، قد تكون غير مضمونة النتائج خاصة في ظل وضع اجتماعي واقتصادي متأزم، وهو الأمر الذي أرخى بظلاله وتداعياته السلبية على موضع آخر يتعلق بمكانة المرأة الصحراوية بالمنطقة، والتي فرضت عليها هي الأخرى ظروف الحياة الجديدة بالتجمعات السكنية المستجدة، وما أفرزته من تفاقم للحاجيات المادية إلى ركوب غمار التسابق نحو الظفر بالمراتب العلمية والمهنية لتبوؤ مكانة اجتماعية مغايرة لنمط عيش البادية، وبذلك يمكننا أن نعتبر الصراع المحموم راهنا لتوفير حياة مادية صرفة باتت تشكل هاجسا لدى غالبية الأفراد، تحولا بنيويا فاصلا بمجتمع الدراسة خاصة على مستوى خروج المرأة للعمل ومتغيرات الأسرة الصحراوية.

 لقد انتقلت الأسرة الصحراوية من مؤسسة تقليدية قائمة على الانتاج الاجتماعي والبيولوجي وضامنة لتقديم شروط استمرار النظام الاجتماعي الترحالي، إلى مؤسسة الأسرة الحديثة التي لم تعد وحدها المؤطر للوظائف الاجتماعية والتربوية، بل انضافت لها مؤسسات أخرى مؤثرة من مدرسة ومحيط وشارع وإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي وزملاء.. وبذلك تغير نمط توزيع العمل وأشكال التضامن الاجتماعي داخل منظومة الأسرة الصحراوية الراهنة.

   ولما كان الزواج أولى أساسيات بناء الأسرة بعد توفر القوامة المادية والمعنوية لدى الرجل، حيث تعتبر الباحثة الفرنسية صوفي كاراتيني (Sophie Caratini) عند دراستها للمجتمع الصحراوي أن "الزواج عندهم ليس مجرد اتحاد بين رجل وامرأة، بل هو عقد تحالف بين الرجال، فالبنت المتزوجة عندما تصبح أما تجد نفسها في قلب شبكة من العلاقات الذكورية تلتف حولها، والدها، أخاها، صهرها، زوجها وابنها"، الأمر الذي يفسر المكانة المهمة التي كان يكتسيها المولود الذكر لدى الأسرة الصحراوية وكذا الطقوس التي كانت توظف بعد ميلاده (التخفي، الخوف من المس والعين، التشديد في التربية..)، في مقابل طقوس مغايرة توظف عند ميلاد الفتاة (تنشئة خاصة، التجميل، الرقابة المشددة، تسمين الجسد/لبلوح..)، وضمن هذا السياق سنحاول معرفة ما طبع موضوع الزواج من تحولات راهنة، قصد فهم تداعيات ذلك على مؤسسة الأسرة الصحراوية اليوم، وهنا أطلعنا أحد مخبرينا عن التفاصيل الدقيقة للعرس الصحراوي التقليدي في زمن البدواة قائلا: "منين اعود الراجل لاهي يستخيم يعلم والدتو، وتعلم هي بعد ذاك بوه، وتسولو أمو عن موقفو من الطفلة اللي فالخيمة الفلانية، ويشتوروا امعاه، ومنين أتكيسهم الأم تطلب أيد الطفلة من أمها، أوى الى وافقوا خالك منين يتغذاو عند أهل الطفلة وخالك ألا منين اتيو وتوف، الشاب لاهي اسول أمو بعد ذاك كانهم وافقوا ول أبداي، الى وافقوا لاهي اكانوا لنهار المناسبة، واردوا لهم مرسول احدوا لهم فيه نهار مجي أهل العريس.

يمشوا أهل الطفلة وانكوا الزرع من لحجار وإحموهم وإتموا إسخنوهم باش أمنين ينطحن بالرحى اعود ساهل، وبعد ذاك يطحنوا لعلايات الزرع واردوا النخالة على زر والدشيشة على زر، ألين اكملوا، ويمشوا الرجال اجيبو لحطب ولما، وايسيفطوا لأهل الرجل العريس علنهم عادوا مستعدين لمجيهم، واجيبوا لهم ذاك اللي لاهي اجيبوه، واتلبوهم لعلايات ازغرتوا رافدات ايزار أبيض وايكولوا لذا الدفوع، ومنين يلحك الليل اجيبوا الدبش والسكر ولمراشي الياسرات وذبيحة أو ذبيحتين، وخالك اللي اجيب اتعركيبة من الناس الميسورة، ويخلك العقد اللي اكتبوا غالبا فقيه عايد مع الفريك، والى ما عاد حاضر فقيه اعيطوا لرجل بكلمتو اعود وكيل العروس ورجل ثاني مسؤول وكيل العريس، إكول وكيل العريس: يا فلان أنا راني جيتك كانك تعطيني فلانة منت فلانة لفلان ولد فلانة على سنة الله ورسوله، واكولوا الثاني وكيل العروس: أنا راني عاطيك فلانة منت فلانة لفلان ولد فلانة على سنة الله ورسوله ثلاث مرات، وهون عادت الزوجة حلال على زوجها، ومنين يسمعوا لعلايات عنها انعقدت ازغرتوا ثلاثة زغرودات، ومنين احدوا مع أهل العروس تاريخ مجيهم للعرس وامنين اجي أهل العريس على ظهور البل بمدافعهم ويخبطو عماير فالسما ويزكنوا بخيام أهل العروسة ثلاثة مرات، ويتعشاو الناس واعلوا أتاي غالبا عاكب لعشا ألين يتغرب الليل واعود لاهي يتعكد، ومنين تلحك ساعتين تقريبا قبل صلاة الفجر اكوموا لعلايات معاهم طافيلات وشباب الخيام ويبنوا خيمة الرك تعود كدام خيام لفريك، واجيبوا لها العروس واكولوا لها:

(ألا هي ان شاء الله، واعروس الخير يا الله، هي ال ادور ألا لولاد ، وميت ناكة وجنى، فرحيل فرح يا الله، ألا هي ان شاء الله، رمك وافحل ينكاد، ألا هي ان شاء الله) وادخلوا العروس للخيمة واجيبوا العريس واجي رافد فأيدو خزامة من الجلد كانوا اسادبوا بيها الجمال عايدين فيها كويرات مخطة فالوسط، واجي لابس دراعة جديدة واعيطوا لو بكلمة مولاي، واعودوا أصحابوا فاركين عليه واسموهم بالوزارة، واجبوه الى عند خيمة الرك ويزكنن بها ثلاث مرات واتموا ايكولوا: (ترحمني يا الله، ترحم شبابي ، شبابي يفنى، تحت التراب)، ويدخل العريس على العروس وينساحبوا الناس وتوعدل العروس آتعود آمرة يعني اشوبوها ماتلات اتعود عزبة، والى ما عاد يعرف اعيطوا لمرة من أهلو تنعث لو، والساعة اللي شوبوها يحكموا ليزار واحطوه فوك راسها كان الناس اتشوفوا، ومنين يجباو عليه لعلايات المخبرات اميزوا الدم اللي عليه عن أي لون أو صباغة ثانية، المهم منين اغطوا على راسها ليزار ازغرتوا لعلايات وادخلوا عليها اشوفوه كاملات، ويكعد لعريس فزرها مضفي دراريعو واتموا اتيوا ويلعبوا وإكروا الطبل، وما يمشوا ألين يبياض الحال يلعبوا ويفرحوا لهم بيهم اللي زايدة لهم خيمة، ما هو كيف اليوم يكفلوا عليهم بيت فدار أو فندق ما جاب لهم حد أخبار أصلا كانهم استخيموا ول مزال، ونشوفوا عاكب ذاك دفوع من الوتات راخي البوق طيط طيط.. ذا ماهو عادتنا ألا نوع من الفيش، وذا اطير البركة، بيه ألا اللي منزل البركة فاللي عطاه مولانا لاهي اتعود عندوا واللي مطيرها راهي طايرة عنو" .

 ومعنى ما أطلعنا عليه مبحوثنا السابق بخصوص الزواج الصحراوي زمن حياة البداوة والترحال أن شباب مجال الدراسة كان عندما يعزم على الزواج فإنه يلجأ أولا في هذا الموضوع الشخصي لإخبار والدته، والتي بدورها تعمل مباشرة على نقل هذا الخبر لوالده، ليقوم بعد ذلك الأبوين على دراسة هذا الموضوع في ما بينهما بشكل معمق، وهنا نقف عند عادة تقليدية محلية كانت تتجلى في احترام جيل الشباب لكهولهم وفق ما تمليه عادات مجتمعهم البدوي والمحافظ، لتنتقل الأم للمرحلة الثانية المتعلقة بموضوع "الخطبة"، حيث يتم عقد لقاء شبه رسمي من قبل أم الشاب مع والدة الفتاة المراد خطبتها، لتخبرها بتفاصيل هذا الموضوع، وإذا ما رفضت والدة الفتاة تتوقف هذه العملية هنا حتى إيجاد فتاة أخرى تكون أسرة الشاب قد أعطت الموافقة الرسمية حولها، وأما إن تمت الموافقة المبدئية، فيحدث في العادة أن تسارع أسرة الفتاة إلى إكرام والدة الفتى عبر  اشراك والدة الشاب في تناول وجبة الغذاء، أو  قد يتم الاكتفاء فقط بجلسة شاي على الطريقة الصحراوية، وبعد أن تزف الأم خبر الموافقة لابنها يحدد اليوم الذي ستتقدم فيه أسرته لعائلة العروس، وذلك عبر إرسال رسول لأسرة الفتاة حول اليوم المحدد للزفاف، لينتقل الجميع من أسر الطرفين إلى الشروع  في التحضير لمراسيم العرس المقبل.

    وهكذا تشرع عائلة العروس زمن البداوة في استحضار  كميات معتبرة من حبوب القمح، حيث يتم تنظيفها جيدا من الحصى الذي كان عالقا بها، ليتم طهيها على نار هادئة قصد جعلها قابلة للطحن بسهولة، ليتم بعد ذلك تحضير وجبات شعبية ستقدم أيام احتفالات العرس (العيش، الخبز..)، بينما يبادر الرجال إلى تحضير كميات محددة من الحطب وتوفير المياه الضرورية سواء للشرب أو الاستعمال، بما يكفي أن يوفي ضروريات الوافدين من أهالي وأصحاب عائلة العريس، وبعد انتهائهم من هذه التحضيرات يبعث برسول إلى أسرة العريس على أن أسرة الفتاة باتت جاهزة لاستقبالهم، وهنا تشرع مباشرة أسرة الشاب في الإسراع بتحضيراتها الخاصة (الدفوع، اتعركيبة..)، وعند وصول اليوم المحدد يعقد قران الشابين عبر كتابة عقد النكاح من قبل فقيه "لفريك" (المخيم)، وإذا حدث وأن كان هناك غياب لفقيه خيام البدو، وإذا ما وافقت الأسرتان على عقد الزواج ذات النوع العرفي، فإنه هنا قد لا تتجاوز مراسيم هذا النوع من العقود حضور كل من رجل مسؤول وعاقل من جهة أسرة الفتاة، وآخر من جهة أسرة الشاب، فيطلب الطرف الثاني يد الفتاة من الطرف الأول، وإذا ما وافق وكيل الفتاة يرد عليه بأنه زوجها للشاب على سنة الله ورسوله مرددا هذه العبارة ثلاثة مرات،  لتنطلق زغاريد النسوة بعد سماع خبر عقد الزواج، فتدوي رصاصات في السماء فرحا من قبل رجال أسرة العريس، والذين يقومون بالطواف على خيام أهل العروس ثلاثة مرات أيضا ابتهاجا وانشراحا بما يليق وقدر هذا الحدث، الذي يظهر أنه كان يشكل موضوعا معتبرا لدى بدو مجال الدراسة زمن ترحالهم الدائم، وبعد ذلك تنظم احتفالات مراسيم الزفاف خاصة تقديم ولائم عبارة عن وجبات تقليدية من الطعام للضيوف، بينما يشرع في جانب آخر للتحضير  لليلة الدخلة عبر تخصيص خيمة خاصة تكون على مقربة من خيام مخيم البدو، إذ يتم جلب العروس من قبل وصيفاتها التي ينادونها بعبارة "عروس الخير" تيمنا واستشرافا لها بمستقبل أسري زاهر، وقبل ساعتين من صلاة الفجر  تقريبا تأتي العروس لهذه الخيمة وصديقاتها يرددن جزلا نسائيا شعبيا:

ألا هي ان شاء الله، واعروس الخير يا الله، هي ال ادور ألا لولاد، وميت ناكة وجنى، فرحيل فرح يا الله، ألا هي ان شاء الله، رمك وافحل ينكاد، ألا هي ان شاء الله)، ومعناه أن أسرة العروس تتمنى لابنتهم زواجا سعيدا وذرية صالحة وحياة مادية طيبة، بينما يأتي العريس في أبهى حالاته مرتديا لباسا تقليديا جديدا (دراعة)، وحاملا في إحدى يديه سبحة جلدية (خزامة) لما لها من حمولات شعبية تنهل من معين المقدس الشعبي الصحراوي، ومرفوقا هو الآخر بزملائه الملقبون ب"الوزارة" والذين ينادون العريس بعبارة "مولاي"، حيث يقومون بطواف العريس على الخيمة المخصصة لليلة الدخلة ثلاثة مرات وهم يرددون: ترحمني يا الله، ترحم شبابي ، شبابي يفنى، تحت التراب)، وهي عبارات يرددها زملاء العريس داعين من خلالها الله عز وجل أن يجعل الحياة الزوجية للشاب المقبل على الزواج سعيدة ومليئة برحمة الله، لينسحب الجميع تاركين العروسين في لحظة انفراد شرعي يتيح لهما استكمال آخر لحظات ليلة الدخلة، هذه اللحظات التي يكون فيها أسر طرفي الزوجين مسبقا  قد أطلعاهما على تفاصيلها من ناحية الثقافة الجنسية، والتي غالبا ما تنتهي بانتقال الفتاة من حالة العزوبية إلى وضعية امرأة بالمفهوم البيولوجي، وهنا يتم وضع قطعة القميص البيضاء التي جاءت تحمل بضع قطرات من الدم الذي يثبت عذريتها على رأس الفتاة، حيث تعمل بعض النسوة من أهالي طرفي الزوجين على معاينة هذه القطرات وتمييزه بدقة عن المواد الأخرى، وإذا ما تبث لديهم أن الفتاة باتت في خانة الزوجات اللواتي حافظن على شرفهن بالمفهوم البدوي التقليدي تدوي ثلاثة زغرودات عنان السماء، إيذانا بالفرح الرسمي لاستكمال الشوط الثاني المؤكد والموافق على استمرار عملية العرس الصحراوي، حيث يجلس العريس بجانب عروسته وهو  في أتم حالته الوجدانية والنفسية على اعتبار أنه قد أثبت للجميع (لفريك، القبيلة..) اختياره الموفق لزوجة المستقبل المناسبة، بينما تقرع الطبول وتنطلق أشكال الفرجة الشعبية من رقص شعبي وغناء وشعر بل ويتحول المشهد إلى فضاء للأدب الشعبي الصحراوي، ولا ينسحب الأهالي حتى تبدأ شمس الصباح في البزوغ معتبرين أنهم في حدث تاريخي مفاده قيام أسرة جديدة (خيمة مضافة) ضمن رحابهم البدوي الظاعن.

  وأما اليوم فقد أضحى العروسين مكتفيين باكتراء شقة أو غرفة داخل فندق معين لإحياء مراسيم ليلة الدخلة بينهما، دون أي يعلم بذلك أحد حتى من أسرتيهما وأقاربهما، بل والسؤال المطروح هنا هل أصلا قد استوفوا هذه المراسيم المتعلقة بليلة الدخلة أم ليس بعد أم لا دلالة واعتبار لديهما حوله، وهنا نسجل تواري أي اعتبار أو اهتمام بطقوس إثبات العذرية كما كان حاصلا في زمن البداوة، وهو ما أصبح يشكل إحدى المتغيرات الفاصلة في طقوس ما كان يسمى ب"الشرف" الخاصة بمراسيم الزفاف لدى أهالي مجال الدراسة، لتنتقل بعد ذلك مباشرة أسر العروسين في موكب رسمي من السيارات، التي تقلهم وهم يحدثون جلبة عارمة في شوارع المدينة من صخب منبهات السيارات في تنافي تام مع عادات أهالي المنطقة تاريخيا، الذين كانوا يقيمون أعراسهم في أجواء احتفالية تحمل طقوسا شعبية لها دلالاتها الثقافية والتاريخية، وليس فقط لإظهار نوع من التفاخر المظهري عبر استعراض أنواع السيارات الفارهة، الأمر الذي اعتبره مبحوثنا نوعا من "الفيش" من شأنه أن ينزع البركة من هذا الزواج المستقبلي على حد توصيفه.

         وهكذا كان الزواج باعتباره أبرز أسس قيام الأسرة لدى أهالي الساقية الحمراء ووادي الذهب تاريخيا كباقي سكان البدو في المناطق المجاورة، ذا طابع تقليدي يخضع لقانون التقاليد المحلية المتعارف عليها، حيث "التمفصلات المقننة، إذ تتابع مراحل الحفلة فور إعلان العقد على إيقاع محدد سلفا، ويتمفصل الجسم الإجتماعي نفسه وفقا لأدوار نمطية طيلة المهرجان. ويستهل مهرجان التقاليد الصاخب بشروع الشرائح الإجتماعية في الإطلاع بالأدوار المنوطة بها، حسب مواقعها الإجتماعية: الحرفيون يزينون العروس ويحيون الحفل والخدم يؤدون واجبات الخدمة، والعازبات النبيلات تتعرضن للخطاب والأحلاف تنعقد، وأهل الورع ينكرون أو ينسحبون".

    أما اليوم فقد ساهم الاختلاط بين الجنسين في ثنايا الحياة الحضرية (زفاف، سفر، عمل..) الى حدوث تعارف مسبق بين الطرفين ريثما ينتهي بالتفاهم على الزواج، ليخبر الشاب المقبل على الزواج والدته بالفتاة التي اختارها فتقوم بنقل الخبر لوالده، وهكذا يعملان على الاشراف على مراسيم الخطبة التي لم تعد كذلك مثل خطبة الماضي، إذ لا يكتفي فقط بإعطاء الكلمة لذوي العروس وإنما يرافقها بهدايا مكونة من ذبيحة وكيس سكر وألبسة بحسب وضعية الأشخاص ماديا، ليتم التحضير لعقد الزواج واحتفاله، وهكذا يكون هامش التعارف مغايرا لما كانت عليه علاقات التعارف بالبادية، وذلك راجع الى طبيعة التمدن الجديد ووجود تجمعات سكانية تتيح فرصا عالية للتعارف المسبق، وبذلك أفضى التحول الحاصل على مستوى المجال الى حدوث اختلاف في طبيعة بناء العلاقات بين الأفراد.

   وبعد الإعلان عن عقد الزواج وموافقة عائلتي الطرفين ينطلق خوض غمار التحضير لحفل الزواج، والذي أضحى اليوم يقتضي توفير أموال باهضة مقارنة بما كان عليه زمن البادية، حيث يفرض على العريس توفير الزرابي والألبسة والعطور وثمن حمل كل هذا في سيارات تجوب شوارع المدينة، مع تحضير آخر لقاعة مخصصة لإستقبال الضيوف وأبناء العمومة أثناء اقامة الولائم، هذه الاحتفالات تختلف بحسب الوضعية المادية للأسر إذ ترتفع لدى العائلات الغنية والمستفيدة من التكسب والريع عبر قطاعات السلطة وعائدات المنطقة، وتتدرج للأسفل لدى العائلات المتوسطة والفقيرة، أضف الى ذلك معطى غلاء المهور بالمنطقة، مما رفع من السقف المادي لمناسبات الزواج بالمنطقة، حتى بات التحضير له يتطلب سنوات من الإدخار المالي، يلجأ فيها الشباب غالبا الى طلب الدعم من باقي أفراد الأسرة والأصدقاء أو في أحسن الأحوال الى الإقتراض البنكي.

          وبعد تحديد تاريخ يوم العرس يعمل أهل العروسة على بناء خيام للاحتفال أو تجهيز دار تفي بالغرض أو كراء قاعة مخصصة للأفراح، بعدما كان الأمر لا يقتضي سوى خيمة واحدة تسمى ب"خيمة الرك"، وتخصص منصة في وسط خيمة أو قاعة الاحتفال للرقص والفرقة الموسيقية المستدعية لاحياء العرس، وعند المساء يستقبل أهل العروسة باللبن والتمر ذوي العريس جالبين معهم المهر على متن السيارات في موكب صاخب مليء بأصوات منبهات السيارات وزغاريد وصياح النسوة، ليبدأ طقس "تناتير لبنود"  المستمد منذ زمن الترحال، ليستمر الاحتفال الذي غالبا لا يتجاوز يوم واحد بعدما كان يستمر لمدة سبعة أيام للعروسة العازبة وثلاثة أيام للعروسة الثيب، ويبدأ الأهالي بدخول الخيام التي يوزع عليهم بداخلها قطع الحلوى واللبن وكؤوس الشاي والطيب والبخور، لتعطى المبادرة لوصيفة غالبا ما تكون احدى "لمعلمات" لفتح الصناديق التي جاءت مهرا للعروسة، وتبدأ في اخراج ما بداخلها وتعداده علانية أمام النساء، وإرجاع المهر لصناديقه ليعطى لذوي العروسة، مما سيتيح فرصة إخبار الناس من بعد ذلك بما جلبه العريس لعروسه من عطايا وهدايا، وهذه السلوكات هي ما يعطي هذه المهور حجمها التفاخري الذي أريد لها منذ البداية، بينما تبقى العروس في دار أهلها مزينة وملتفة في لحاف من ثوبين أحدهما أبيض والثاني أسود، في انتظار حلول المساء حيث ستجلب الى العريس ضمن موكب يطلق عليه "المروح"، والذي غالبا ما تأتي فيه العروس بدون حمل كما كان من العادات التقليدية في الماضي قادمة على أرجلها الى بيت العريس.

    وعند بدء الاحتفال عند منتصف الليل غالبا يحج الجمهور المتكون من الرجال والنساء والشباب والذين باتوا يستدعون كتابيا تفاديا للعدد المفتوح من المستدعين ولترشيد تكاليف الحفل، ودرء لأي مشاكل قد يحدثها غرباء عن أسرتي العروسين، مما يقتضي لدى الأسر الميسورة استحضار حراس أمن يتكلفون بإدخال أصحاب الرسائل الرسمية ويمنعون من لا يحملها، بل قد تتجند حتى السلطات المحلية وطواقمها الأمنية في حماية احتفالات الأسر التي ينتمي أحد أفرادها لدوائر الدولة (برلمانيين، رؤساء بلديات ومجالس اقليمية، رؤساء جماعات محلية، رجال أعمال..).

    وأثناء الشروع في الحفل الغنائي بحضور العريس وذويه والذي يستقبل في قاعة الأفراح بالتصفيق والزغاريد وصوت الموسيقى الصاخبة، يبدأ ترديد مقاطع موسيقية مستوحاة من الطرب الحساني الأصيل، لتنطلق "لعلاكة" التي يقدم جزء منها العريس للفرقة الموسيقية ولمن يبادر بأداء رقصات شعبية تأثت المشهد الفرجوي، كما يقدم كذلك العريس مبلغا ماليا لهذه الفرقة يعوض "حوصة" العروس، مقابل قطعة من حلي العروسة سبق وأن أخذتها احدى "لمعلمات" تأكيدا منه عن محبته لعروسته، وتقوم هذه الأخيرة بالرقص بهذا المبلغ المالي على منصة الجمهور شاكرة ومادحة سخاء وكرم العريس، وغالبا ما باتت تتحول هذه المحافل اليوم إلى ساحة فوضى وتصير الأعراس إلى مجال للمشاداة وتصريف العنف واحتقار للأنثى، بعدما كانت مرآة تعكس الطرب والشعر الشفهي وإبرازا لخصائص الأدب الشعبي وطقوس المجتمع الصحراوي عامة.

        وهكذا تتوالى فقرات العرس الصحراوي حتى الوصول إلى انتهاء الاحتفال حيث يرسل العريس بعض الهدايا لأصهاره تسمى ب"لمروك" مكونة من مجموعة صناديق السكر وألبسة وعطور وكبش.. وهي عادة كانت في الماضي والتغير الوحيد الذي حصل فيها هو ازدياد مقدارها نتيجة لسعة الامكانيات والأسواق المتوفرة اليوم، وبعد ذلك تنتقل الزوجة للعيش مع زوجها في بيت مستقل، أو  قد تنتظر العروس بعض الوقت حتى تتوفر الوسائل المادية لعملية "ارحيل" الذي غالبا ما تساعد في تجهيزه أسرة العروس وأقربائهم، وهو مستجد لم يكن زمن البادية حيث كانت الزوجة تقضي سنة أو سنتين عند ذويها الى أن تلد ابنها الأول، لترحل الى خيام زوجها بعدما يكون قد جهزت لها خيمة جديدة مصنوعة من وبر الإبل أو الماعز، اعترافا لهما كأسرة جديدة، وهو ما لم يعد الآن قائما اليوم حيث حلت المنازل مكان الخيام وبات الرجل مفروضا عليه توفير الشغل القار أي الدخل المادي و المسكن المرموق قبل التفكير في ركوب مغامرة الزواج.

   وبذلك أصبح الزواج اليوم داخل غالبية الأسر بمجال الدراسة موضوعا مغلقا خاصا بالطرفين المقدمين عليه، ولذلك تقهقر دور فئة المسنين في مسألة حسمه، بل إنهم باتوا ينأون بأنفسهم في مسألة التدخل لاختيار الأزواج خوفا من تحميلهم وزر فشله، وذلك مرده إلى عوامل عديدة كتعلم الأبناء وإنفتاحهم الثقافي، وما ترتب من مشاكل الزواج التقليدي المتحكم فيه، وهذا ما جعلنا "نلاحظ نفورا لدى شباب اليوم من تلك العادات والتقاليد، أصبح الشاب يريد أن يصنع تقاليده العصرية الخاصة به على مستوى الزوجة التي يختارها والتي لم تعد مواصفاتها هي المواصفات القديمة بل صار يختار الرشيقة والمتعلمة.."، هذه العوامل أفضت الى ترسيخ ثقافة الفردانية عوض ثقافة الجماعة، وبذلك تم الخروج من وضعية الزواج التقليدي المبني على علاقات اجتماعية قبلية متداخلة ومترابطة نظرا لمعطى القرابة الدموية والمصاهرة الداخلية إلى وضعية مغلقة (المدينة، المنزل..) فرضتها ثقافة التمدين ومعطيات الاقامة والاستقرار، كما لم يعد الزواج اليوم داخليا بل حصل التزاوج من فئات الوافدين وحتى من خارج المنطقة، وبالنظر  إلى أن مجال الدراسة حاضن للوافد تاريخيا، فإنه لم تعد قضية القرابة الدموية والقبلية هي المحدد في الزواج وبناء التحالفات بين المجموعات القبلية، بل حل محل ذلك "زواج المصلحة" من عائلات معروفة بجاهها الحزبي أو المالي، وهو بذلك زواج بات يروم تحقيق مطامع اقتصادية وسياسية تسعى إلى تحصيل المال والجاه والسلطة و"هكذا يظهر أن الزواج ليس نتاجا لتطبيق قاعدة مثالية، ولكنه نتيجة لاستراتيجية، هذه الاستراتيجية التي تختلف تبعا للشروط الاقتصادية والإجتماعية والسياسية التي تجتازها المجموعة"، إلا أن هذا الحكم لا يشمل جميع القبائل الصحراوية بمنطقة الدراسة، حيث لا تزال بعض هذه القبائل مصرة على الزواج الداخلي مع جميع القبائل المجاورة، بينما تمنع الزواج من فئات الوافدين "هناك انفتاح في مسألة المصاهرة على القبائل كاملة، المصاهرة الداخلية أصبحت متجاوزة، ومرد ذلك أن الداخلة ماتلا فيها ألا قبيلة أولاد ادليم بل اختلطت القبائل، لكن هذه المصاهرة لا تشمل القادمين من التل، هناك قبائل ترفض مصاهرة أهل التل، وهناك قبائل قد تقبله ولكن بشروط معينة، أهل الداخلة لا يقبلون بالمصاهرة خارج قبائل الصحراء" .

 لقد انتقلت الأسرة الصحراوية اليوم من حالتها التقليدية -الأسرة الممتدة- إلى الأسرة النووية القائمة على ضبط عدد الأبناء للتغلب على اكراهات الحياة من تطبيب وتدريس وغذاء.. غير أن ذلك لم يحسم بعد مع قيم البداوة التقليدية من خلال استمرار بعض أشكال التضامن والتآزر الاجتماعي، خاصة مع فئة الآباء والأصهار والمنحدرين من قرابة القبيلة الواحدة، وهو ما يفسر أن "الزواج القرابي ما يزال حاضرا بقوة، خاصة لدى الأفراد المرتحلين على الأقل، وإن كانت استراتيجياته تتخللها بعض التغييرات المرتبطة بالانفتاح على القبائل الأخرى، والمدينة التي ساهم الانفتاح عليها في حضور لافت لتجهيزاتها وتقنياتها في حفلات الزواج".

    ولهذا فإن واقع مؤسسة الأسرة الصحراوية بالمنطقة لايحيد عن الحالة العامة للعائلات بمختلف الأقاليم الجنوبية الأخرى وإن بنسب متفاوتة نسبيا، فنجد أن الوحدة الأسرية بعدما كانت هي محور الحياة الرعوية بالصحراء القائمة بدور الإنتاج وإعادة إنتاج الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فقد "كانت الناس مجتمع واحد مساوي فيها الغني والفقير، ذرك عاد الوزن ألا للغني، وذرك الفقير ماتلا إكد إقاوم، الفخر اللي فالمناسبات همش الفقير وماتلا عندو دور، والشباب مطموس عليه بيه اللي بلا فضة"، وبذلك فإن دور المال والنقود عجل بإنقلاب وضعية سواسية الناس، وأصبحت الكلمة الأولى لسلطة المال والجاه داخل مجتمع الدراسة، كما نسجل الدور «المركزي»  لكل من المرأة والطفل داخل تلك الوحدة الإنتاجية، بالإضافة إلى طغيان الطابع "الذكوري" المهيمن على العلاقات الأسرية والاجتماعية العامة بالرغم من حالة الإنفتاح الثقافي الذي يبقى مجرد واجهة شكلية.

         ونختم موضوع التحول الحاصل على مستوى الأسرة الصحراوية بالمنطقة بما أفادنا به أحد مخبرينا: "الأسرة الصحراوية دخلها فذا الزمان انهيار من الداخل، لكن عدنا لمسو الحمد لله العودة لأصلها رغم كل ذلك، مرت من مرحلة ظنينا أنها مشات لاهي تغمض، والحمد لله باين الخير فالأسر الصحراوية، يغير خالك حكم عند الأسر الصحراوية ربما ايعود عاد متداول بينها، عاد كأنه عامة بين الأسر وهو الغلاء فالمهور فجميع المناسبات، هذا جميع الصحراويين متنافسين على التفاخر فيه، هذا مزال ما رجعوا عنو ولا كاع ألا ازيدوا فيه".

  يتبين من خلال المقابلات السابقة المستقاة من بحثنا الميداني أن تحول الأسرة الصحراوية من عائلة ممتدة إلى نووية، أفضى إلى طغيان قيم الفردانية مقابل تراجع قيم التضامن والتآزر في المجتمع، غير أن ذلك لم يحسم نهائيا بعد مع معطى الارتباط القوي بالعائلة الأم، خاصة خلال حصول أزمات الأسرة الكبيرة، أو عند حدوث مناسبات اجتماعية تفرض نوعا من التكافل المادي والمعنوي. 


ثانيا. مظاهر التفكك على مستوى العلاقات الاجتماعية.

كما سبق وتطرقنا على أن العائلات الصحراوية راهنا بمجال الدراسة عرفت تفككا على مستوى بنيتها نتيجة لتحولات المجتمع صوب حياة التمدين والإستقرار، مما نتج عنه ظهور ثقافة جديدة مبنية في الغالب على علاقات تطبعها المصالح الشخصية، ذلك أن "النظام القبلي الذي يتحكم في العلاقات أو الروابط بين الأفراد والجماعات داخل مجتمع البيضان   (société maure)، يظهر من خلال التمييز حسب المكانة بين قبائل حسان (المحاربون)، قبائل الزوايا (المرابطون) والقبائل التابعة (لحمة أو ازناكة)"، هذا التمييز الاجتماعي سرعان ما انهار مع مرحلة إقامة أفراد هذا المجتمع بالمراكز الحضرية الجديدة، الأمر الذي نتج عنه ظهور نوع من العلاقات الطارئة تم الوقوف على جوانب منها، من خلال ما استقيناه من مقابلات ميدانية متعلقة بطبيعة العلاقات القائمة اليوم داخل مجتمع الدراسة.

   ويفصل هذا الوضع أحد مستجوبينا بشكل دقيق معبرا عنه بالقول: "اللي كان خالك ألا ذاك اللي كلت لك كبيل، الأسرة محدها متكانية ما تفتصل يسوى شيخلك، وذريك عادت تقريبا ماتليت تشوف حد مع حد، هذا شي طرا عليها ذرك، كانت العائلة كاملة تشوفها فبلد، كنت أتشوف أثلث رجالة أربعة خمسة تجبرهم نازلين الى عادوا فالبادية تجبرهم الخيمة لكبيرة وكاملهم فاركين بيها، والى عادوا فالمدينة تجبرهم أملي فدار، هذا ماتلا خالك، إلى عادوا فالبادية تجبرهم كلها بخيمتو وحدو والى عادوا فالمدينة نفس الشي كذلك. تقريبا هي المسائل المادية عادت هي سبب كولشي، هي السبب فتفكك العلاقات وتفكك ياسر أكثر من العلاقات العائلية وأكبر من المجتمع، يعني التغيرات اللي تخلك سبتها الماديات، يعني تجبر مثلا عائلة واحد فيها اللي خدام والثانيين ماهم خدامين، كان بكري ما يتكلم أركاج، هذاك أركاج اللي خدام واحد ول أثنين هوما اللي إصرفوا على الخلق وهوما اللي اخدموا، ذريك ذا ماتلا خالك عاد كلها يخدم على راسوا، الى عادوا أثنين ول ثلاثة فبليدة ماهم خدامين اكول لك لا خصوا يخدم، يعني ماتلا كاد حد يصبر على حد"، أي أن تفكك العائلات اليوم في نظر مستجوبنا راجع بالأساس الى سطوة الماديات على الأسر، مما فرض على الجميع إعالة نفسه بنفسه دون مساعدة من أفراد الأسرة أو تضامنهم فيما بينهم كما كان حاصلا في الماضي زمن البداوة والترحال.

   ويعبر عن واقع حال العلاقات الإجتماعية اليوم مستجوب آخر بكونها باتت روابطها ووشائجها شبه منعدمة، فالمرأة الصحراوية زمن البادية كانت تلقب ب"الشيخة"، بل قد تستقبل الضيوف وتكرمهم وتجهز  لهم ولائم بحضور زوجها وأبنائها كما كان يتم زمن الخيام والترحال، ولها كلمة مسموعة في المجتمع بالنظر  إلى الأدوار العملية التي كانت تضطلع بها آنذاك، فقد كان "عندنا نحنا العلايات اللي شيخات، راهي من الداخل فاهمة راسها، تعرض وتسلخ وبكلمتها فالمجتمع. اليوم ضيافة النبي فالمدينة ماهي خالكة، ما كاين لا ضيافة النبي ولا ضيافة العشا، خالك اللي إزورك بدون عرضة وتوف. الأسر ديال اليوم ماني فاهم لهم والو، كادين بروسهم، وماشيين على أوجاههم وغروضهم. شي أعدا شي، علاه ؟ مثلا منين عادو بيبان الديار كلها عاد كافل على راسوا، إلى ما عادت شي عرضة بموجب. اليوم ما ظنيت تلات أتعود فعلايات الصحرا شيخة أعلايات، أكلعها من بالك، بيهم ماهم تيفكرشات، ماهم رادات البال لشي ينكالو السمع والمعنى، ما سرحوا ولا طحنوا الزرع ولا حطبوا ولا حلبوا، ماهم عارفات والو، كاعدة فالدار إلى النهار اللي جاها زمانها تمشي معاه، ماتلا خالك فيهم التفكريش، ونفس الشي بالنسبة لتركة اليوم، نلتكا مع التركة اللي نعرفوا أباتها الزينة وما إسلموا عليك والى ما عيطت لو أنت ما إسلموا عليك"، أي أن هنالك تحول على مستوى القيم البدوية التي كانت معروفة لدى المرأة والأبناء في الأسر الصحراوية الرحالة، حيث أضحت المرأة اليوم لا تعرف حتى كيفية التعامل مع الضيوف ولا مساعدة زوجها في مصاعب الحياة، بالنظر إلى كونها أضحت تمضي معظم شبابها غالبا ببيت أهلها حتى تنتقل لبيت زوجها، مما جعلها تجهل قيم  البداوة خاصة الحياة القاسية المرتبطة بالرعي وجمع الحطب وطحن حبوب القمح.. كما أن الشبان هم الآخرين فقدوا كذلك مختلف القيم الأخلاقية القديمة من إفشاء للسلام واحترام المسنين والغرباء، بل يحصل أنه قد تصادف أحدهم بالشارع العام ويصر على عدم إلقاء التحية عليك، ولربما تدعوه للسلام فيفر منك متواريا، وهو ما كان في ماضي هذا المجتمع البدوي حديث الاستقرار من سابع المستحيلات.

    هذه القيم الطارئة انعكست على واقع مؤسسة الزواج بالمجال المدروس، حيث باتت القرارات الخاصة باختيار الزوجة أو اختيار الزوج بيد الشباب بدل أولياء أمورهم كما كان زمن الترحال، وهو ما بات يصاحبه شروط مسبقة من قبل الطرفين تتعلق على سبيل المثال لا الحصر بمطالبة الزوجة الاعتزال عن العيش مع أسرة الشاب، وبلغ ذلك حد توثيقه في عقود الزواج، ف "اليوم أصلا العزري الى عاد باغي يتزوج خصو يبحث عن ذيك اللي لاهي اجيب، والوقت اللي جمع معاها هي الأول ما تكولو أنا رانك الى بغيتني وبغيتك هوما الشواكش ما ايعودوا معانا، الشواكش راهم هوما الشيب، يعني باغيا وحدها باغيا الاستقلال ديالها، باغيا تعود فدارها وحدها ول فخيمتها وحدها، والأكثرية هذا هو السبب اللي يفصل بين الناس، بكري كانوا تجبرهم أربع خيام وخمسة مع بوهم، تجبر الأب ومعاه أولادو خمسة بانيين خيامهم معاه يوكلو واشربوا معاه فبلد واحد، وغنمهم وحدة وابلهم وحدة وما فات عزل منهم شي، ومنين إعود الكبير من الأولاد باغي يعزل ينعث لو اللي لاهي يعطيه من البل ولغنم ويعطوه كلشي وايكولولو أوى ولدي الله اعرضك الربح، اليوم سابك اعدلوا l’acte   ول اعدلوا الكاغط ول يجتمعوا، يتافقوا علنها راهي ماهي لاهي تعيش مع أهلو، وهذا هو السبب، والأكثرية ملي عدت تجبر الأب منين يزوج ولدو ايكولوا ذرك يا وليدي أرفد أولادك وسير لود منين تعيش، هذي المسائل خالكة اليوم وحاضرة. .

    ويستدرك مستجوب آخر الوضع بالقول أن حياة الرفاهية باتت متوفرة مقارنة بالماضي، إلا أن المشكل المطروح حاليا على مستوى العلاقات الاجتماعية المتبلورة هو غياب الوازع الديني والأخلاقي لدى جيل اليوم من جهة، وانشغالات الحياة وضيق الوقت لدى الأفراد من جهة أخرى معتبرا أنه "يخيي ما جبرت أنا ذو الأسر المعاصرة، والله من أبرزها:

    *  تخلي الناس عن لهجتها الأصلية.

    * ياسر من التقاليد والأعراف مواسينها بالية.

    * مظاهر الحمد لله تامونيكت فالمسكن والملبس والمركوب.

فقط أخلاقيا مازامك منو حد إلا من رحم ربي واللي خاف منو.

وأسباب ذلك التفكك، دوائر الإهتمام بالروابط الأسرية عادت تزداد شساعتها فالتباعد وتضياق فالتقارب، لغياب الوازع الديني، وضيق الوقت وانشغالات الحياة"

استنتاج:

   لم يكن غرض هذه المحاولة التوصل إلى نتائج بقدر ما كان إثارة قضايا للنقاش، ذلك أن استخلاص النتائج يتطلب دراسة مونوغرافية وليس مجرد مقاربة استكشافية كالتي تكلفنا بها، إلا أن مواجهة الوقائع قد قادتنا إلى تفسير  ما اعتمل من متغيرات راهنة حول تقاليد الزواج الصحراوي، ولعل أهم ما حاولنا جهدنا الوقوف على بعض تجلياته من التحولات الأسرية بمنطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب، هو تطرقنا في البداية إلى انتقال الأسرة الصحراوية من عائلة ممتدة صوب عائلة نووية، مما ساهم في حدوث تغير اجتماعي كبير وفاصل من حيث الـتأثير على طرق التنشئة الاجتماعية للأفراد، فتغيرت سلطة القرارات التقليدية التي كانت بيد كبار العائلات وفق الأعراف والتقاليد الصحراوية، لتحل محلها النزعة الاستقلالية لدى الأبناء توازيها منظومة قيم مستجدة، مما أفضى إلى تحول من نوع آخر على مستوى المكانة الجديدة للمرأة التي فرضت عليها شروط التمدين خروجها لاكتساب مهارات علمية تعلمية ومهنية، فصرنا أمام أسرة مفككة وامرأة مشتتة بين مهام البيت وانشغالات العمل وتربية الأبناء ومهن حرة..

   وبالمحصلة، لعبت عوامل عديدة في خلق تحول أسري لا يزال مستمرا وقائما حتى اللحظة لعل من أبرزها موجات الوافدين الجدد على المنطقة وانفتاحها الخارجي، الأمر الذي ولد لها تلاقحا وتأثرا مع ثقافات مختلفة، بالإضافة إلى نتائج العولمة التي أفرزها النظام الرأسمالي العالمي حتى بات العالم قرية صغيرة، وما أعقب ذلك من ربيع عربي وثورة معلوماتية غير مسبوقة، نمطت العالم وفق نموذج تواصلي عابر للحدود، وبذلك غذى عصر الثورة التواصلية أساس الاقتصاد المعولم الجديد المتحكم في معظم التحولات العالمية الراهنة، ويبقى مجتمع الدراسة في مجمل الأحوال "ليس ما يعيشه أسوأ مما عاشته أمم وحضارات استطاعت أن تحسن الانعراج مع المنعطف كما يقال بالفرنسية".


طانطان 24