كلثومة ابليح : عطاء كبار السن يزيد من أعمارهم



كلثومة ابليح
أما للكبار نصيب من التعليم؟
أنا لن أموت ولكن سأقتلع الموت من أرضي..
إن تأجلت الأماني لابد لفجرها أن يأتي فيشرق..
كان هذا شعار "الحاج علي" الذي بدأ يجمع ملخصات دروس الباكالوريا بتفان وجدية لاجتياز الامتحانات ويتخذ من مراجعاته للدروس أشكالا طفولية تمتزج بين الصرامة والمرح رفقة حفيده "الحسين" تخصص علوم إنسانية، فبعد كل صلاة فجر يتجه سي الحاج علي إلى غرفة علوية من الطين باردة معزولة عن ضجيج نساء البيت والأطفال.
خارج الفناء،يصعد الحسين متأبطا تلاخيص دروس الفلسفة واللغة العربية، أصبح جده رفيقا جيدا وخفيف الظل إذ ألف جلساته الطيبة ليناقشا محورين أدبيين: الوعي واللاوعي وتحولات الشعر العربي.
 "دورية التطور والسلوك الإنسان"دراسة حديثة أظهرت بعض النتائج:
أن الأجداد الذين يرعون الأحفاد أو يساعدون أولادهم في الأعمال المنزلية بين الحين والآخر يستمرون بعمرهم لفترات أطول كما تنعكس إيجابا على صحتهم.
جدي علي هذا، حكيم جدا في دروس الفلسفة، يتبع منهجية خاصة وملهمة في استيعاب المقولات الفلسفية، فلسفته في الحياة هي طريقته في التعاطي مع الاشياء والعالم من حوله،يستوعب الحياة، له منطق في العيش وفق مبادئ تتجاوز مصالحه الشخصية،جدي فيلسوف،كان يرعاني مذ كنت رضيعا وأحببت مرافقته وأنا طفل إلى حدود الآن،محيطه الاجتماعي ناضج جدا.
إن التعليم بالمراحل الأولى من حياة الإنسان يرتبط بمن تتملكه رغبة أكيدة في الحصول على شهادة تعليمية في سن متقدمة،لظروف لم تسمح في تحصيل مبكر أو لاكتشاف متأخر لمدى أهمية التعليم والتعلم.جدي من بين من أكدوا على ضرورة التحصيل مهما بلغت الأشد، أظهر تماسكا قويا بمواصلة الدراسة منذ أن شارك امتحانات شهادة نيل شهادة الدروس الابتدائية، يقول جدي انقطعت عن الدراسة وانا في المستوى الثاني ابتدائي بسبب مرض والدي،وافته المنية بسبب مرض السل،تكبدت عناء العوز لأشتغل في سن مبكرة كراعٍ لدى بعض العائلات في دوار يجاور دوارنا،أساعد والدتي وباقي إخوتي.
استمرت الحياة إلى أن نما شغف القراءة والكتابة من جديد إلى حدود عمر التاسع والسبعين،كل هذا الانتظار لم يمنعه الحصول على الباكالوريا ،تلهمه آثار الرغبة لمتابعة دراساته الجامعية.
إذا ما نظرنا إلى انقطاع الإنسان عن إكمال مسيرته التعليمية خاصة عند زوال الظروف الماضية يموت شوقا للعودة لمقاعد الدراسة والحصول على شهادة. حاله حال البقية ولكن للأسف يصطدم هذا المتشوق عند رغبته في إكمال دراسته بالجامعة، بشرط عامل السن هذا الشرط الذي أحبط محاولات كل من فكر أو لمجرد التفكير في إكمال مسيرته التعليمية.
بالفعل، هذا الشيء محبط لكل إنسان لديه هاجس الطموح،فالعمر أو المرض لم يكن في يوم من الأيام حاجزا أمام أي شخص للتعلم فأين نحن من حكمة (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد) و(اطلبوا العلم ولو من الصين).
كلام وحكم  كنا نسمعها  مذ كنا صغارا ولا زال تداولها إلى اليوم  وكل ذلك في سبيل تشجيع الكل نحو التسلح بسلاح العلم.
لايزال الإهتمام كبيرا في هذا المجال حتى يومنا هذا حيث افتتحت الفصول وتمت معاملة المتمدرسين الكبار كما نظيرهم في المدارس الأخرى، خلال اجتياز الامتحان الأخير بالمرحلة الثانوية وبعد التخرج، يمكنهم التسجيل في برنامج القدرات لقياس القدرة على العطاء دون إفراط،إذ حذر مجموعة من الأطباء الإفراط في المجهود البدني لهذه الفئة لتفادي الأضرار الصحية والنفسية الذي يسببه الصدام الفكري والثقافي والتكنولوجي، بينه وبين جيل الأحفاد بسبب عدم قدرته الذهنية على التقبل السريع لتغيرات العصر.
إن العطاء نسبي كما وكيفا لدى الشخص المسن كما حدده الأطباء والدارسين،هو فقط من يمكنه من تحديد قدراته الصحية والنفسية على العطاء وليس شخصا آخرا.
يلخص ديفيد كوول: "العطاء سلوك يدعم استمرارية الجنس البشري، ومن دونه لن نستطيع الاهتمام بأبنائنا ورعايتهم".