حديث الأربعاء: معاناة الكتابة مع أول إبداع



سعيد أن تكون اليوم أستاذي عبد العزيز الموذن و أن نتقاسم معك تجربتك و شكرا على قبولك دعوة المشاركة في هذا البرنامج الفتي... و كما العادة سيكون سؤالي الأول لكم:


من هو عبد العزيز المؤذن؟




سلام الله عليكم وعلى قراء جريدتكم الأوفياء.  عبد العزيز المؤذن طنطاني المولد والهوى واللسان، ولدت وتربيت في كنف الدوار حي الشيخ عبداتي نهاية سبعينيات القرن الماضي. حاصل على الباكلوريا أداب عصرية من ثانوية محمد الخامس، ثم الإجازة في اللغة العربية من جامعة ابن زهر بأكادير. ولجت عالم التدريس سنة 2003  بمدن بوعرفة وكلميم والطنطان، قبل أن أخرج نحو تجربة جديدة بعالم الإدارة التربوية. أشتغل الآن مديرا لثانوية ابن خلدون التأهيلية بفم زكيد إقليم طاطا. أب لثلاثة أبناء: معاذ، حفصة وسلمى.



حدثنا عن علاقتك بالكتابة والابداع:




ارتبطت علاقتي الأولى بالإبداع منذ كنت تلميذا. كنت مولعا بالشعر والرسم، ولا أزال أحتفظ إلى اليوم ببعض الخواطر التي كتبتها في بدايات المرحلة الثانوية، اشتغلت في مرحلة البطالة بالرسم والجداريات الاشهارية كمصدر للرزق قبل ولوجي عالم التدريس. لكن المرحلة الأكثر تميزا في حياتي كانت مساهمتي في تأسيس جمعية أساتذة اللغة العربية بالطنطان، وتأطير تلاميذ الجمعية في الكتابة السردية ثم فيما بعد الكتابة الشعرية، فكانت فرصة للتكوين لنا أولا كأساتذة قبل التلاميذ، وهو ما أثمر إصدار الجمعية للمؤلف النثري "مرايا" والديوان الشعري "شقائق النعمان". بعدها ترسّخت لدي فكرة إصدار مؤلف شخصي سواء ديوانا شعريا، أو مجموعة قصصية أو رواية، واتّجهت بي الأقدار نحو الكتابة الروائية.


لو تكرمتم و تحدثتم لنا عن مولودكم الجديد، أقصد رواية "صراخ الصمت" كما نشرت غلافها على صفحتك الشخصية في الفايسبوك، وهل تفكر أن يكون تقديمها وقراءتها الأولى هنا بمدينة طانطان



أكيد أن تقديم الرواية بالطنطان وقراءتها هناك سيكون شرف لي ما بعده شرف، أن أحتفل بمولودي البِكر بين أهلي وعائلتي لن تعادله فرحة، خصوصا أن كثيرا من تفاصيل الرواية وموضوعاتها تجد لها مبررا بالمدينة. محاولتي الخوض في تجربة الكتابة، اصطدمت بالطابع النقدي الأكاديمي الذي أحْمِلُه، وأقول دوما أنه من الصعب أن تنتقد وتبدع في مجال ما تنتقده، ستجد نفسك مُكَبَّلا بالقيود التي تضعها للآخرين. حاولت أن أقدم شيئا جديدا للقارئ بعيدا عن السرد الكثيف وتداخل الأحداث، أن أشحنها بالأفكار والعواطف، وأن أخلق فيها التنوع الذي يمكن أن يبعد الملل عن القارئ. ولذلك يتداخل في النص مكونات عدة كالسرد، والشعر، والنقد والترسُّل.



سؤالي سيكون غريبا شيئا ما و لكن تحضرني الآن تجارب كثيرة و أذكر منها هنا تجربة المنفلوطي لأستحضر الموهبة و التكوين الأكاديمي فهل يمكن أن نتخلى عن أحد هذه الأعمدة في الإبداع أم لابد من الجمع بينهما ؟ وبعبارة أخرى هل التكوين الأكاديمي شرط للإبداع؟



التكوين الأكاديمي شرط لممارسة النقد وليس شرطا للإبداع، بل قد يكون في كثير من الأحيان ـ كما سبق وأشرت ـ معيقا. الإبداع يحتاج للموهبة والممارسة واتِّقاد شعلة اللحظة الإبداعية، يحتاج المكابدة والمعاناة. لحظة الإبداع هي لحظة ولادة: الوجع، وآلام المخاض، والصرخة التي تسبق الحياة، تحتاج استغلال كل الظروف والأماكن والأوقات. كم هي الكتابات التي خرجت من رحم السجون؟ من رحم الفقر؟ من رحم الألم؟؟



هل هنا شروط أخرى للابداع، أو بصيغة أخرى، ما الذي نحتاجه لنصير كتابا أو روائيين؟؟




كما قال درويش"" فنحن لا نكتب إلا ما نقرأ، وهنا تصير القراءة شرطا ضروريا للكتابة . نحن لا ننتج، نحن نعيد إنتاج ما كتبه الآخرون، نضيف إليه القليل. الكاتب كالنحلة يطوف على عشرات الكتب ليُخْرِجَ من رحيقها كتابا/إبداعا جديدا. يضاف لشرط القراءة شرط المحاولة، أو تجريب الكتابة الذي قد يأخذ وقتا من الشحذ والمِراس لبلوغ ذروة الإنتاج الأدبي، أو لنقل الرضى بالمنتوج.



إجابتكم هذه تقودني إلى الحديث معكم عن تجربة جمعية أساتذة اللغة العربية التي ربما بسبب ذلك التكوين الأكاديمي الممنهج الذي سلكتموه جعلتم مجموعة من التلاميذ يغيرون مسارهم و يتوجهون إلى الأدب و الغوص في غماره هل يمكنكم الحديث عن هذه التجربة و عن أمثلة لذلك ؟



الغريب في الأمر أن أغلب تلاميذ مرايا وشقائق النعمان توجهوا صوب الشعب العلمية، وهذا اشكال كبير في التوجيه المدرسي الذي يجعل من الشعب الأدبية شعبا من الدرجة الدنيا في المنظومة التربوية . ولا أخفيك سرا أننا كنا كأساتذة نجد المتعة الأدبية مع تلاميذ الشعب العلمية أكثر مما نجدها في التخصصات الأدبية . تجربة جمعية أساتذة اللغة العربية بالطنطان تجربة متفردة بكل المقاييس، نَمَتْ وتطوّرت على نار هادئة، اجتمع لها من أسباب النجاح ما لم يجتمع لغيرها: أساتذة آثَرُوا أن يمنحوا وقتهم للتلاميذ دون مَنٍّ ولا أذى ، وتلاميذ حَمَلَهُم عشق المعرفة إلى الحضور صبيحة كل يوم أحد من شتى أحياء المدينة، ومندوبون ومنتخبون ورؤساء الجماعات والمصالح الخارجية دعموا عمل الجمعية حين اطمأنوا لعملها ومسارها التربوي، والأهم من ذلك كلِّه الإخلاص الذي رافق هذا العمل وتوفيق الحق سبحانه وتعالى، فاستطعنا بذلك تكوين جيل قادر أن يحمل يوما على عاتقه هَمَّ المدينة والوطن. وبالمناسبة، لا بد أن أتوجه بالشكر الجزيل لكل من كانت لهم بصمة في جمعية أساتذة اللغة العربية بالطنطان، وأخص بالذكر أساتذة وأستاذات اللغة العربية، إضافة إلى الجميلين سعد عبداتي وحسن سلامة، اللذان كانا بحق إضافة نوعية لعمل الجمعية.



أعود بك أستاذي إلى مجموعتك الجديدة هل سنجد فيها سيرتك الذاتية و تجاربك خصوصا ظروف التنقل بسبب العمل أم أنها قصص من وحي الخيال.؟



حينما تَسِمُ العمل بأنه رواية، فأنت تقطع بتصنيفه ضمن مجال الخيال. غير أن الرواية اليوم كجنس أدبي وهو يخضع للتجريب والتطور، يخدعك بآلياته التي تُصَيِّرُ الواقع خيالا والخيال واقعا. روايتي ليست سيرتي الذاتية وإن تضمَّنَتْ وقائع وأشياء من محيطي الشَّخصي. للإشارة فقط، تدور أحداث الرواية بمدينة طرفاية، وتلعب فيها قلعة كازامار دورا رئيسيا، والأمر يعود لأحدى زياراتي للقلعة وانبهاري بجمالها، يضاف إلى ذلك نقط التشابه بين طرفاية وطنطان .



لو جازت المقارنة، هل الرواية أصعب أم الشعر؟




في نظري المتواضع، أعتقد أن الرواية أصعب. الشعر يحتاج لحظة إبداعية قصيرة تشبه الوميض، أما الرواية فتحتاج زمنا طويلا من المكابدة والعناء، تحتاج قراءة موسوعية وخيالا ممتدا لتعيش مع شخوصك وأحداثك وأمكنتك. أن تعيش عالما من الخيال تصنعه بإتقان. عالم الرواية عالم متشابك، تفقد فيه أحيانا حرية التعبير التي يمنحك إياها الشعر، تمشي على رقاقة من الجليد وأنت تخيط تفاصيل القصة.




ما هو تقييمك للعمل الأدبي بالصحراء عموما ، وللعمل الثقافي الفني بطانطان خصوصا؟


معلوم أن الصحراء لم تخرج من عالم الشفاهة إلى الكتابة والتدوين إلا من وقت قريب، بل إن عملا جبارا ينتظر القائمين على هذا الورش لصون الذاكرة الصحراوية وحفظها من الزوال. ولو ركزنا على المنجز السردي المكتوب باللغة العربية الفصيحة، فإن المحصلة لا تزال ضعيفة ومحتشمة وفي مرحلة البدايات، تتسم بالقصر في معظمها وارتباطها بالواقع الاجتماعي ونقده.
أما بخصوص العمل الثقافي بالطنطان، فعلى الرغم من قلَّته يبقى نوعيا ومتميزا، وليس لنا إلا أن نُحَيِّي عاليا كل الجمعيات النشيطة في هذه المدينة، والتي تسعى بإمكاناتها البسيطة لأن تبصم بمداد من ذهب على جبين الطنطان، في مجالات شتى كالمسرح، والطفل، والعمل الاجتماعي، والثقافة والفن...



في الأخير اشكرك أستاذي على سعة صدرك و كما العادة ألتمس منكم كلمة أو نصيحة لقراء الجريدة ومبدعي الغد.


لن تنهض الطنطان بالصراعات الفارغة والمشاحنات الضيقة. الاصلاح يبدأ من الذات، ومن تكوين الناشئة تكوينا علميا وأدبيا وثقافيا وأخلاقيا، أن نزرع فيهم حب الخير والعطاء وطلب المعرفة. الإبداع طريق مفروش بالشوك والمعاناة، عُدَّته الصّبر، والقراءة، ومحاولة الكتابة. ثمرته تستحق منا كل ذلك الجهد: اكتشاف للذات، والرقي بها عن السفه والجهل، وبصمة تنير درب القادمين. 

طانطان 24