مقال قصصي – بعنوان" الراعية والخبز" بقلم كلثومة ابليح( مسابقة افضل مقال)



مقال قصصي – بقلم كلثومة ابليح/ طانطان المغرب

أعطني منجلا وحذاءً أعطيك مصدر الحياة” عبارة على غرار شكسبير وأفلاطون يؤمنون بالمسرح والخبز وصنع شعب عظيم، كلما شعرت بالسعادة أبدّد ارتباكي بالرقص فرحا، أتخيل المطر، أتخيل ريح التراب الآسر، يشق الخياشيم بلا استئذان، إنه العشق الأبدي، سعادة لم تطرق باب واقعي يوما.

في مشهد خرافي أمشي حافية القدمين على ضفاف شط أبيض بألوان المحار ،لكم يغريني جمع الأصداف ولا أحد ينافسني في ذلك، أغيّر ألوانها بشيء من الصباغة والفن ألصقها على هيئة أشكال بجدار غرفة المعيشة، كانت جدتي تحب التقاط الودع(نوع من المحار)اعتقادا أنها تطرد الشيطان والسحر وضعت صدفاتي في طرف قميصي.

امتزجت رائحة قهوة عطرة برائحة البحر، رائحة تنصهر باحتجاج لتحوم حولي، من أين تأتي رائحة الأنْس هذه؟ انتبهت للصوت الآتي من الكوخ المجاور يشبه صوت جدتي تنادي بشكل متواصل، التقطت بسرعة ما سقط مني بين طرفيْ ثوب قميصي، لتباغتني موجة عاتية لوحت بي فأسقطتني كأنها تزمجر مخاطبة باسم المحيط، اتركي صدفاتي.

جبيني، وجهي يتصببان عرقا؛ جفت عروقي ابتلت وسادتي وجانب من فراشي، أتفقد جسدي تساءلت؛ أين أنا؟ كانت تناديني لشرب القهوة لو لم تنتبه لفمي وصفير شخيري، لأسقطت بوجهي دلوا لا كوبا من المياه ،أكتم أنفاسي عن مواجهة هذا الموقف المباغت من جدتي، لو لم أكنْ على بعد خطوةِ خُلوةٍ من رائحة القهوة كنت سأصرخ كفاني جنونا.

في أنوال (المطبخ) تأخذني رائحة الحطب إلى الخيال ممزوجة بنفَسِ الطين المحترق، كم أشتهيه، إنه الوطن الصغير.

قهوة فرنسا تشاء تسميها جدتي، تتباهى بها بين نساء القرية وجدتها تركز في مسلسل تركي اضطررت الجلوس إلى جانبها، وأنا أرتشف قهوتي وأعمل مترجمة مسلسل جدتي فاجأتني حين قالت إن “إيجيه” حامل من ياسين، تبسمتُ بعصبية ساخرة لأنني تذكرت رائحة القهوة على الشط وصفعة الموجة التي أجبرتني على العودة لأتابع مسلسلها الممل.

كنت أعتبر عودة جدي من فرنسا عيدا خاصا، آت من بلاد لا أعلم عنها أي شيء سوى الشاي والقهوة والعطر الذي كان يجلبه لجدتي، حين أخذتْ قارورة صغيرة، أفرغت من العطر الباريزي شيئا لمعلمتي، رقصتُ فرحا لما أخذت عطر بابل الباريزي قرب وسادتي بعد كل غفوة أتحسس وجودها، لا لن يأخذها مني أحد، إنها جواز سفري إلى ضفة التلاميذ النجباء وستكف عن معاقبتي خاصة وأن لساني لم يتعود بعد على اللغة العربية، فاجأتها صباحا في القسم بهديتي، وضعتْ شيئا من العطر على ظهر كفها، لم ألاحظ أي تعبير حتى لم تكلّف نفسها لتشكرني؛ العطر مستورد الصنع؛ فكيف لم يعجبها ولمَ لمْ تصنفني بين التلاميذ النجباء.

اشتروا لي حذاءً بلاستيكيا خاصا بالرعي من سوق أسبوعي، علمني الفرح التصفيق، لأن الحذاء يخصني، ألبسوني لباس الرعاة، أول مرة سأرعى الغنم ولا أفقه في درسه شيئا، تعلمت جدا كيف أنهي جوعها بين أشواك ثمار الصبار وشجر الأرگــان والطّلح الجاف بين الفجاج والهضاب وبين أوقات فراغي المدرسية، أعود إلى البيت إلى أن تتوسط الشمس السماء تستقبلني ابنة عم والدي، بوجبة غذاء شحيحة ببيض ولبن وكسرة خبز.

أعبث بأنصاف أعواد قصبية كي أصمم لنفسي عروسا صغيرة، ألبسها ثوبا أبيضا وأجعل من وبر الماعز شعرها؛ انتهزت غياب جدتي، تسللت إلى أرّار (موقع درس الزرع) بالطرق التقليدية، تذكرت حين كانت جدتي ترفض حضوري مراسيم الدّرس، الحمار بألف جلدة لأجل دَرْس الحبوب لأجل الخبز لأجل كتم أنفاس الجوع فينا.

يبقى فضل الشاي الفرنسي والعطر الباريسي على رجل ساهم في عملية انتقاء جدي بين عينة من العمال بشروط صحية جد صارمة، شبيهة إلى حد ما بالمقاييس التي كان عليها تجار الرقيق الأوربيين
طانطان 24