حديث الأربعاء : كتابات متألقة بصيغة المؤنث




في هذه الحلقة من حديث الأربعاء لها طابعها المميز، حاولنا أن نسلط الضوء على الكتابة النسائية رغم أن ضيفتنا لم تحبذ هذه التسمية، و لكن كان الهدف واضحا هو لماذا هذا التميز، و لماذا الجانب القصصي عند الكاتبة يكون أكثر إقبالا هل لإحساس المرأة المرهف أم لوصفها العفوي النابع من تجارب واقعية، ولماذا كذلك تفوق المرأة الصحراوية في هذا المجال وبزوغها على المستوى الوطني و العربي، فكان لابد أن نستضيف كاتبة من الجنوب تألقت و بصمت ووضعت اسمها بين أحسن الكاتبات إنها الأستاذة البتول المحجوب لمديميغ فدار بيننا هذا الحوار الشيق .



لنا عظيم الشرف أن تكوني ضيفة برنامج حديث الأربعاء وبذلك تكونين أول امرأة نستقبلك في هذا البرنامج فشكرا لك على قبول الدعوة.. أستاذتي كأول سؤال نطرحه دائما لو تكرمت ببطاقة تعريف عن نفسك.



أولا أشكركم على الاستضافة و لي الشرف أن أكون حاضرة في هذا البرنامج الأسبوعي الذي يطل علينا عبر جريدتكم المتألقة في الساحة الإعلامية، و جوابا على سؤالكم :
البتول المحجوب لمديميغ
من مواليد مدينة الطنطان.
تلقيت تعليمي الابتدائي والإعدادي والثانوي بالطنطان
*حاصلة على الإجازة في الدراسات العربية من جامعة ابن طفيل بالقنيطرة/المغرب
*حاصلة على ماستر في التواصل وتحليل الخطاب، من جامعة ابن طفيل بالقنيطرة.
*طالبة باحثة في سلك الدكتوراه، بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة.
*كاتبة قصة ورواية
الأعمال التي صدرت:
*مرثية رجل، مجموعة قصصية، مطبعة سجلماسة، مكناس، المغرب، سنة 2007.
*أيام معتمة، مجموعة قصصية، دار فضاءات، عمان، الأردن، سنة 2011.
*وجع جنوبي(بوح الذاكرة)، رواية، دار فضاءات، عمان، الأردن، سنة 2014.
*أماكن ملغومة، رواية، دار فضاءات، عمان، الأردن،سنة 2016.
*سيدات الكثيب، رواية،دار فضاءات،عمان، الأردن،2019



أستاذة الباتول أنت تعتبرين من النساء القلائل بالجنوب التي بصمت على خط الكتابة القصصية ووضعت اسمها بين أكبر الكاتبات على الصعيد الوطني والعالم العربي ما سر النجاح في ذلك أستاذتي؟

- ارتبطت بداياتي مع الكتابة، بكتابة رسائل إلى أبي وأنا في مرحلة الخامس ابتدائي، كنت أوهم نفسي أن هذه الرسائل ستصل إلى أبي ولو حلما رغم أنها ظلت حبيسة دفاتري السرية المتكونة من 24 ورقة في ذاك الزمن... رسائل بأخطاء إملائية ولغوية أحكي لوالدي  المعتقل والمختطف قسرا،عن يوميات مؤلمة عشتها في غيابه، وأشكوه همي  ومعاناتي مع المدرسة والمدرسين وعن شغب الطفولة... ظلت تلك العادة تلازمني كلما غضبت أو فرحت أهرع إلى دفاتري السرية التي أعتبرها ملاذي الجميل، لأحكي لأبي  دون خوف عن سر فرحي أو غضبي وكأن الطفلة الصغيرة بداخلي تستنجد بأبيها لينير لها الدرب المعتم، ولا أخفيك سرا أن ذلك البوح ساعدني كثيرا حين كنت أوهم نفسي بسماع صوت أبي وأحس بيده تربت على كتفي وتشجعني كلما تقدمت في دراستي أحس بفرحه.... تطورت  علاقتي بكتابة البوح من خلال تكثيف القراءة في المرحلة الإعدادية والثانوية وبتشجيع من أساتذة  كرام أكن لهم اليوم فائق المحبة والاحترام والتقدير، اذكر منهم خاصة الأستاذ الغيث ابوطاهر وحسن عثمان والأستاذ الوطن محمد، والأستاذ اليزيد لكتيف بخلق أسئلة فلسفية بداخلي، نصائحهم وتوجيهاتهم  كانت بمثابة نبراس أمل جعلت مني قارئة نهمة للكتب والروايات وكل ما  كنت احصل عليه أقرأ سواء فهمت مغزاه أو لم أفهم الجميل أنني أقرأ...لأخطو بعد ذلك نحو  مرحلة النشر في مجلات وصحف وطنية إضافة إلى مجلات عربية انشر من خلالها قصصي القصيرة. 



هل حضور تيمة الصحراء و خصائصها في معظم نصوصك القصصية جعلك تتفردين إم لم نقل تتميزين عن بقية الكاتبات؟ و ما هي المجموعة القصصية التي أعطت للأديبة هذا التميز و البزوغ؟


-حاولت في كتاباتي التطرق إلى عدة تيمات متعددة من بينها تيمة الصحراء باعتبارها بيت القصيد أو بالأحرى بيتي الذي أنتمي إليه، إلا أن التيمات لم تقتصر فقط على الصحراء كمكان وفضاء رحب أكتب عنه ومن خلاله، بل حاولت التطرق إلى تيمة الاعتقال التعسفي ومشكل الاختطاف القسري الذي عاشه المغرب في فترة السبعينيات مثلما عاشته الطنطان ايضا، تيمة الاعتقال وما تركته من آثار على الضحايا وذويهم سواء من الجانب النفسي أو المادي الإنساني، إضافة  إلى تيمة الألغام في الصحراء وما تشكله من خطر يهدد الإنسان والمكان والحيوان. تيمات ظلت تؤرقني دوما فجسّدتها كتابة علّ صداها يصل كي لا تتكرر مرة ثانية، أردت من خلال الكتابة أن أكون صوت من لا صوت لهم، وفاء مني لمن رحل دون أن يُنصف، أكتب بصوته وبأصوات أخرى غابت دون أن ينصفها التاريخ ودون أن يصل صداها، وفاء لهم جميعا أكتب... علّ الصوت يصل.



أستاذتي نعرف جيدا أن الجنوب و خصوصا الثقافة الحسانية يطغى عليها الشعر و يتربع على عرش أدبها: ونعرف جيدا أنك تجيدينه فلماذا اختارت الأستاذة الباتول مجال القصة القصيرة عوض الشعر؟

-الأدب الحساني أو الشعبي عامة وفي الصحراء خاصة ليس بالغرض السهل الذي يمكن لأي كان الخوض فيه، فالشعر الحساني له رواده الكبار، أكيد لا أنكر أنني من محبيه ومن متذوقيه، لكن الأكيد أنه من الصعوبة بما كان علي نظمه أو قوله. كوني أجد ذاتي في مجال السرد سواء القصصي أو الروائي الذي منحني مساحة أكبر للعطاء وحرية في التعبير عن قضايا متنوعة.



أستاذة هناك عائق يعيشه أغلب الفنانين و المثقفين هو البعد عن المركز و بالتالي عدم المشاركة في الندوات و اللقاءات الثقافية الكبرى هل كذلك الأستاذة الباتول تعاني من نفس المشكل؟ وكيف تحاولين تجاوز هذا العائق؟

-المركز والهامش ثنائية تكاد تكون حاضرة في شتى المجالات وليس في الأدب وحده وما تشكله بُعد المسافة من عائق في حضور الندوات، أحاول نكاية في بعد المسافة الفاصلة، و رغم العوائق أن أكون حاضرة قدر الإمكان وأن أشارك في الندوات ومعارض الكتب، حتى وإن كان بُعد المسافة  يحول بيننا وبين ذلك إلا أن هذا الأمر لا يمنع أن نخلق -نحن أبناء ومبدعي الهامش القصي-  جوانب مضيئة ومشرقة بإبداعات وبندوات أبانت عن علو ومسؤولية في هذا المضمار، بل حفزتنا على العطاء أكثر وعلى تشجيع بعضنا البعض، الأمر الذي خلق مساحة إبداعية  لدى أبناء المنطقة.



ربما أستاذتي تابعت معنا في شهر رمضان تفوق السيناريو النسائي و هي ربما فكرة سائدة على أن المرأة دائما كتابتها لها ميزة خاصة فكيف تتميز الكتابة النسائية و لماذا تجد هذا الإقبال الكبير؟

- من وجهة نظري المتواضعة في ميدان كتابة السيناريو أرى أن الكتابة بصفة عامة لا تفرق بين كتابة رجالية وأخرى نسائية في هذا الميدان، وإنما البقاء والنجاح والتألق لاختيار  أفضل نص يعالج معاناة الإنسان في حاضره الراهن،  بل يلامس ذائقة المتلقي ويقف على مكمن الجمال  لديه سواء تعلق الأمر بالموضوع المعالج أو من خلال تقنية الحوار بين الشخصيات، من هنا أجد أن التميز لا يقتصر فقط على ما تكتبه المرأة أو ما يكتبه الرجل، بل يتجاوزه إلى مستوى النص الجيد ومدى تفاعل المتلقي معه، حين يجد نفسه في النص المجسد  لتطلعاته سواء الاجتماعية والثقافية والسياسية، هنا يكمن النجاح والتميز.



ألا تفكر أديبتنا أن تكتب يوما للمسرح أو السينما أو التليفزيون و نجد أعمالها تجسد؟



-  من الملاحظ أن الوسائط الفنية المتعددة مثل السينما والمسرح وغيرها من الوسائط المرئية والمسموعة لديها التأثير الفعال على المتلقي كون الصورة تصاحب الصوت والتفاعل يكون  ذا نجاعة بين المتلقي المشاهد والممثل الذي يجسد الدور. من هنا أجد أن الكتابة في هذا الباب من أصعب الكتابات وأكثرها قوة، لأن تجسيد أي عمل على الركح أو عبر الشاشة من خلال حوار وشخصيات وتقسيم ادوار يتطلب  تقنية خاصة في كتابة هذا الصنف من النصوص.
 أتمنى  في القادم من الأيام بحول الله أن أرى بعض أعمالي مجسدة في السينما أو المسرح أو التلفزة، كون الصوت والصورة  له واسع الانتشار مما يمنح للعمل استمرارية ثانية.



كيف ترين أستاذتي مستقبل الكتابة النسائية خاصة و مستقبل القصة و الرواية بصفة عامة في ظل هذا الغزو الإلكتروني؟

-الكتابة النسائية وإن كنت لا أحبذ  هذا المصطلح وأفضل قول الأدب الإنساني لأن الأدب بطبعه لا يخضع  إلى تصنيف أدب رجالي و أخر نسائي، فالأدب يدخل في جملة الإنساني والكوني بصفة عامة، لكن جميل أن نقول نتاج المرأة الكاتبة إن كان لابد من وسمها بهذه الصفة، نحن نعي أن كثرة وسائل التواصل الاجتماعي فتحت المجال أمام الكثير من الأقلام منها الجيدة ومنها التي لازالت في طور المحاولات يلزمها فقط تحسين مستواها بالقراءة المكثفة والكف عن استسهال الكتابة، حتى نستفيد أكثر من القراءة ومن تجارب الآخرين في هذا المجال. 
أرى في الأخير أنه لا يصح إلا الصحيح، فالمتلقي/القارئ الجيد يفرز النص الجيد من السيئ رغم الكم الهائل من النشر الالكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي.



أستاذتي شكرا جزيلا لك وألتمس منك في الختام توجيه رسالة إلى كل النساء المبدعات وخصوصا فئة الشابات  

-القراءة ثم القراءة ثم القراءة، فالإبداع أو الكتابة لا يعني الكم وإنما الكيف،  فالكتابة في غياب القراءة تبقى مبتورة، لذا أوصي نفسي مثلما أوصي أخواتي من الجيل القادم بالقراءة أكثر وأكثر والاستفادة من تجارب الآخرين... بالقراءة تعبر إلى جسر الآمان، كونها تنضجنا أكثر وتمنحنا تذكرة سفر نحو العالم أجمع...