بيان المركز المغربي لحقوق الانسان بمناسبة الذكرى الواحد والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان


  تخلد  الحركة الحقوقية المغربية، إسوة بنظيرتها في جميع أنحاء العالم، الذكرى الواحدة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في ظل سياق وطني يتسم بالارتباك والالتباس الشديدين، بين إرادة سياسية تتخذ من احترام الالتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان شعارا وخطابا سياسيين، وبين حساسية مفرطة إزاء الاحتجاجات المناهضة للفساد والاستبداد، تضع أجهزة ومؤسسات إنفاذ القانون على صفيح المواجهة لتنفيذ مسلسل لا ينتهي من التضييق والانتقام الممنهجين في حق كل من سولت له نفسه تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمها المخزن، لا تقل حدة عما كان يجري إبان ما كان يعرف بسنوات الرصاص.

إن ما شهدته  سنة 2019، لا يعدو أن يكون استمرارا لذات النهج للسنوات القليلة التي مضت، حيث التراجع المسترسل، والانتكاسة تلو أخرى عنواني المرحلة بامتياز، في مقابل مبادرات من بعض الأطراف في الحكومة أقل ما يقال عنها أنها خارج السياق العملي والميداني لواقع حقوق الإنسان ببلادنا.

فقد شهدت السنة المقبلة على الانتهاء تكريسا لمنهج التضييق على الحريات العامة، وخاصة الحق في التظاهر والاحتجاج، وصدرت عن بعض رجال السلطة قرارات مكتوبة بمنع وقفات احتجاجية لمبررات واهية وغير دستورية، فيما حرمت بعض المنظمات الحقوقية من حقها في التنظيم وفي العمل، كما زج ببعض النشطاء الحقوقيين وبعض أصحاب الأقلام الحرة وبعض المدونين  بمواقع التواصل الاجتماعي، في متابعات قضائية انتقامية، وأخرى أشبه بالاغتيال المعنوي.

وفي مقابل ذلك، ساهمت سياسات الحكومة المغربية، في تكريس التضييق الممنهج على مستوى عيش المغاربة، حيث تغاضت عن جريمة قتل الفاعل الاقتصادي الحيوي في قطاع المحروقات، لا سامير، بعدما أقدمت على تحرير سوق المحروقات، وتركت الساحة فارغة لجشع لوبيات أوليغارشية، ما فتئت تدفع بأسعار المحروقات نحو أقصى المستويات الممكنة، كما عمدت إلى التقليل من نسبة التوظيف في القطاعات الاجتماعية الحيوية، لفائدة قطاعات أخرى، رغم الخصاص البنيوي الذي باتت تعاني منه تلك القطاعات بشكل متتالي، سنة وراء سنة، مما جعل بعض القطاعات، مثل الصحة، تشتغل خارج نجاعة النسق المؤسساتي المطلوب، وباتت أغلب المستشفيات العمومية تعج بالاحتجاجات، بسبب قلة الكادر الطبي والتمريضي، فضلا عن انتشار التهاون والتراخي وتصفية الحسابات والتغاضي عن سلوكيات منافية لأخلاقيات مهنة الطب، وللأمانة الملقاة على الأطر الصحية إزاء صحة المواطن، حيث لم يعد المواطن الفقير يجد حقه في التطبيب إلا على سبيل الحظ، بل أصبحت الشهادات الإدارية الخاصة ببطاقات المساعدة الطبية ‘’الراميد’’ غير مقبولة لدى بعض المستشفيات، فيما تقوم بعض المستشفيات بإبعاد مواعيد الافتحاص لحاملي بطاقة راميد إلى شهور عديدة، مع أن بعض الحالات ذات طبيعة استعجالية بسبب التفاقم المضطرد للمرض، مما أدى في كثير من الحالات إلى وفاة المرضى قبل وصول الموعد، في حين رصد المركز المغربي لحقوق الإنسان حالات مرضى ظلوا داخل بعض مستشفيات دون رعاية أو تطبيب إلى أن وافتهم المنية.

كما تعرض العديد من العوائل من سكان دور الصفيح والبنايات السكنية العشوائية، أو داخل مساكن تعرف نزاعات عقارية أمام القضاء، إلى التشريد والضياع، بسبب تدخل السلطات العمومية لإجلاء هؤلاء السكان، التي بدلا من إيجاد حلول موضوعية لحالاتهم، أقدمت على طردهم بدعوى تطبيق القانون، ضاربة عرض الحائط البعد الاجتماعي والانساني للمواطنين، مما يعد انتهاكا ممنهجا لحق هؤلاء في الكرامة والعيش الكريم.

إن العديد من القطاعات الحيوية ببلادنا، والمتصلة بالعيش اليومي للمواطن تعرف تدبيرا عشوائيا، ينطوي على اختلال بنيوي لا يمكن إصلاحه مادام يخضع لنظام تدبيري بائد، واغلبها تحت الإشراف المباشر لمصالح وزارة الداخلية، التي لها أولوياتها، كما هو الشأن لأسواق الخضر والأسماك وتوزيع الماء والكهرباء، وخدمات النقل عبر سيارات الأجرة وغير ذلك من القطاعات السوسيواقتصادية الحيوية، حيث ما فتئ المجتمع ومهنيي القطاعات يعانون بسبب ذلك الأمرين، دون أن تحضى بما يلزم من تطور وتأهيل، لو كانت تحت إشراف مؤسسات مختصة ومستقلة، ذات تدبير مؤسساتي فعال وناجع.

إن مظاهر الاختلال، التي تعيش على إيقاعها جل القطاعات الحيوية ببلادنا مردها إلى عدم الاكتراث إلى تطلعات المواطنين والمواطنات بضرورة تجسيد دمقرطة حقيقية في تدبير الشأن السياسي الاقتصادي، على أسس من تكافؤ الفرص ومراعاة كرامة المواطن، وتوظيف الثروات الوطنية حصرا لخدمة تنمية ديمقراطية مستدامة، بدل إغراق الشعب المغربي في مزيد من الديون الأجنبية، التي ترهن مصير الشعوب، وعلى ساساتنا تدارك الأمور قبل فوات الأوان، فعصا القمع وغياهب السجون لا يمكن أن ترهب أو تغير من وعي أجيال، باتت أكثر نضجا وحيوية، وأكثر جراة في طرح معاناتها والإعراب عن مطالبها.
كما يدعو المركز المغربي لحقوق الإنسان الدولة المغربية إلى التفاعل الإيجابي مع مطالب مراجعة القوانين المؤطرة للحريات الفردية، من خلال إطلاق نقاش عمومي مسؤولي، تشارك من خلاله كافة التخصصات العلمية والشرائح الفكرية، بعيدا عن التقاطب الايديولوجي والسياسي، للخروج بمنظور موحد يراعي حقوق الأفراد دون أن تكون غايته ضرب الإطار القيمي المشترك للشعب المغربي.
وعلى المستوى الإقليمي والدولي، يرى المركز المغربي لحقوق الإنسان أن السياق الدولي الحالي، ينطوي على تقاطب كارثي بين التيارين، الروسي والأمريكي، أجهض حق شعوب عربية في الحرية والديمقراطية، وساعد المد اليميني المتطرف، في الغرب كما في الشرق، أنظمة الفساد والاستبداد وسفك دماء الشعوب، مستغلين عبثية الفكر الإرهابي الغادر، وكاشفين عن مكر موازين القوى العالمية المارقة، الراغبة في خدمة المشروع الصهيوني العالمي، الذي سعى إلى تفتيت المجتمع العربي والاسلامي، وحرمانه من الديمقراطية الحقيقية، والاستفراد بالشعب الفلسطيني الأعزل، كما هو حاصل لإخواننا الفلسطينيين بقطاع غزة.
إن مناسبة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ينبغي أن تسترعي انتباهنا من أجل الاعتراف بحق الشعب المغربي، وخاصة الفئات الشبابية، التي تكتوي بنار الحيف والتهميش والبطالة وتضاحل فرص العيش الكريم، في بناء دولة الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتصدي لمظاهر التسلط والقمع ونهب الثروات واستنزاف مقدرات الشعب المغربي بطرق شتى وملتوية، ويعتبر التغاضي عن هذا الخيار، مجرد مماطلة وتأخير لن يجدي نفعا، حيث إن وتيرة السخط والإحباط في صفوف الاجيال الصاعدة باتت متسارعة وأقرب إلى الانفلات، مما يتطلب جرأة حقيقية من أجل تدارك الأمر، ووضع حد لهيكلة سياسية متآكلة، لم تعد قادرة على تحقيق تطلعات الشعب المغربي، والعمل على ابتكار نموذج في تدبير الشأن العام بنجاعة وشفافية، ينهل من مبادئ التشاركية والمحاسبة وخدمة الشعب بأمانة وصدق.

وحرر بالرباط بتاريخ 10 دجنبر 2019
المكتب الوطني للمركز المغربي لحقوق الإنسان
طانطان 24