التقاعد: "مت قاعدا" و"مت واقفا"


بقلم : ابراهيم أكراف
يتقاعد المرء في بلادهم، يقتني سيارة، وما خف من المتاع، يجوب العالم قطرا قطرا، يدمنون عشق الحياة يوما تلو آخر؛ يتسلقون الجبال، يعتلون قممها ويصرخون بملء فيهم، فيتردد صدى الانتشاء بالحياة، يعبرون الوديان، ويسبحون في البحار والأنهار، ثملين بخمر الحياة، ونجوم في السماء تغبطهم، وعلى صدورهم مصورات تعتقل لحظات السعادة الغامرة قبل انفلاتها.
في بلادنا، على أبواب التقاعد، يموت المرء غصة، وإن طال به العمر يموت حسرة على ما قضاه من سنوات يحارب الطواحين الهوائية، ولم يجن من حربه غير جبهة متغضنة، وظهر محدودب، لم يشفعا له في الموت قاعدا "مت قاعدا" فقدره أن يموت وهو يحارب الطواحين؛ طواحين الحياة، وعلى رأسها فاتورة الماء والكهرباء، وتحويلات مالية لأبناء يتابعون دراساتهم العليا، وقس على ما سلف، باقي متطلبات الحياة، وقد تنضاف إليها اقتطاعات البنوك لقاء سيارة أو منزل، أو هما معا.
في بلادنا قبل التقاعد، يبحث المرء عن عمل لدى صاحب سيارة أجرة أو عربة لنقل الطرود، وقد يحترف السمسرة في العقار أو الماشية أو يفتتح محلا للتجارة... وفي أحسن الأحوال يجلس بمقهى، أو على قارعة الطريق يلعب المربعات أو الأوراق، وهو يجتر ذكريات الطفولة والعمل.
في بلادنا، بعد التعديلات الحكومية المتغطرسة، لن يموت المرء قاعدا، بل سيموت واقفا، وهو يزاول مهنته، وقد اغتصبت سنوات من عمره، ونسبة من أمواله.

0/Post a Comment/Comments