الطَّنطـانُ وٱلمُؤامـراتُ : اَلتَّرامـي علـى ٱلمِلـك ٱلعمومـي


بقلم الأستاذ : اسليمان العسري
[إهـداءٌ لِـساكنة تجزئـة بوتومزيـن علـى صمودهـم ٱلمثالـي وٱلمُتجسِّد فـي ٱلوقفـات ٱلاحتجاجيَّـة ، مُطالبـةً ٱلجهـات ٱلمعنيَّـة بأبسـط ٱلضَّروريـات مـن خـلال تهيئـة ٱلتَّجزئـة بٱلمـاء وٱلكهربـاء].
مُجــرَّدُ جولـةٍ خاطفـةٍ بيـن أحيـاء ٱلطَّنطـان يتأكَّـد لـك غيـابُ تصميـمٍ معمـاريٍّ بِـصفةٍ تامَّـةٍ ، فَـتكاد تكـون ٱلمدينـة ٱلوحيـدة ٱلَّتـي لا تخضـع للوكالـة ٱلحضاريَّـة للجهـة ولا لِـمهندسيها ، دون ٱلحديـث عـن مسألـةِ ٱلتَّحفيـظ ، تِلكُـمْ قضيَّـةٌ أُخَرى ، فَـالعشوائيَّـة تطبَــعُ كلِّيـّـاً ٱنتشـار ٱلبنايـات ، وٱلتَّرامـي علـى ٱلملـك ٱلعمومـيِّ هـو أحـدُ ٱلأوجـه ٱلحاضـرةِ بقـوَّة فـي عمليَّـة ٱلبنـاء بِـجُلِّ أحيـاء ٱلمدينـة (المسيـرة1، تگريـا ، دوار ٱلعسكـر ، السكنـى وٱلتعميـر ، الصَّحْـرا...) ، وإذا ٱستثنيـنا حيّـاً سكنيّـاً أو ٱثنيـْن (حي النهضـة ، الحـي ٱلجديـد ) علـى ٱلأكثـر حيـث يمكـن ٱلحديـثُ عـن بنـاءٍ منظَّـمٍ ، غيـر أنَّـه سُرعـان ما يُكتشـَف عـدم ٱستحضـار ٱلمؤسَّسـات وٱلأسـواق وٱلمساحـات ٱلخضـراء... مِـمّا يتأكَّـد معـه تغييـبٌ فاضـحٌ لِـدور ٱلوكالـة ٱلحضريَّـة ٱلجهويَّـة ولِلتَّصميـمِ ٱلمعمـاريِّ ٱلخـاصِّ بٱلطَّنطـان ، وبٱلتَّالـي ٱلمؤامـرةُ عينُـها تعـمُّ ٱلمشهـد ٱلبنائـيَّ بٱلإقليـم ، وإذا سلَّمـنا بِـوجود أحيـاءَ قديمـةٍ تغلـبُ عليـها ٱلبساطـةُ فـي ٱلبنـاء نظـراً لِـبدايات ٱلسَّاكنـة فًـي ٱلتَّمـدُّن ، وكـلٌّ مـن جانبـه يترامـى بِـشكلٍ تلقائـيٍّ علـى أرضيَّـة لِـيحيطـها بـسور مـن (الّلـوح) ٱعتمـاداً علـى ذراعـه (دُوّارْ ذْرَاعُـو مثـلاً) إضافةً لِـعين الرحمـة ، الطنطـان لَحْمَـرْ ، ابـن خليـل ، العمالـة ، الطنطـان لَبْيَـضْ ، لَخْمِيـسْ لَقْديـمْ...فٱلأمـر غيـر مقبـول مـع أحيـاءَ كثيـرةٍ عرفـت ٱلنُّـور منـذ ٱلثَّمانينيَّـات (بئرانـزران ، ٱلمسيـرة 1 ، ومؤخرا حي الصحراء) وٱلَّـتي فـي غالبيَّـة بناياتـها يعتمـدُ أصحابُـها علـى قضيَّـة ٱلتَّرامـي علـى ٱلمِلـك ٱلعمومـيِّ لِـدرجةٍ خطيـرةٍ وشائعـةٍ ، وٱلمخالفـةِ لِـقانون ٱلتَّعميـر وٱلَّـذي يعاقـب عليهـا زجريّـاً ، لِـيُـساهم بذلـك مجموعـة متدخِّليـن فـي مؤامـرة ٱليـوم : اَلوكالـةُ ٱلحضريَّـةُ وٱلمهنـدسُ ٱلمعمـاريُّ وٱلمجلـسُ ٱلبلـديُّ وٱلأقسـامُ ٱلتِّقنيَّـةُ بٱلعمالـة وٱلمقاطعـات وذوي ٱلنُّفـوذ وٱلسُّلطات المحليَّـةُ ووزارة ٱلتَّعميـر...
وبٱلرُّجـوع لِـحيِّ ٱلمسيـرة1 وحـي ٱلصحـراء واللَّذيْـن يَعتبرُهـما ٱلعديـدون مِـن بيـن أفضـلِ ٱلأحيـاء محليَّـا ، لكـنَّ ٱلحقيقـةَ غيـر ذاك ، فَـإذا أجريـنا تحقيقـاً بسيطـاً سَـنقفُ عنـد حجـمِ هَـوْلِ مسألَـةِ ٱلتَّرامِـي علـى ٱلمِلْـك ٱلعمومـيِّ سـواء أكـان زنقـةً أو بلـوك أو ساحـةً ، ممَّـا أصبحـت معـه مجموعـةُ منـازلَ علـى شاكلـة ڤيـلات صغيـرة دون أدنـى هندسـةٍ تُراعِـي تصميمـاً مُوحَّـداً يحفـظُ مـاءَ ٱلوجـهِ.
أمَّـا حـيُّ ٱلمسيـرة2 وطريقـةُ توزيـعِ بُقَعـه ٱلأرضيَّـة ٱلَّتـي تمَّـت فـي صفقـةٍ تاريخيَّـةٍ سـتظلُّ مشهـودةً نهايَةَ ٱلتِّسعينيَّـات إِبَّـانَ مجلـسٍ بلـديٍّ فريـدٍ وعامـلِ إقليـمٍ متفـرِّدٍ ، حيـثُ وُزِّعـت ٱلكعكـةُ وبٱلمجَّـان (الَّلهـُمَّ لا حسـد) علـى أعضـاء ٱلمجلـس ومُـدراء ٱلمصالـح ٱلخارجيَّـة وٱلمقرَّبِيـن آنـذاك ، وٱستفـادوا مـن مساحـة ثلاثمائـة إلـى أربعمائـة متـرِ مربَّـع لِـيُقيموا عليـها ڤيـلاتٍ صغيـرةًٍ مـع أنَّـهم ليسـوا فـي حاجـة إليـها ، أمَّـا شعـب ٱلمدينـة ٱلمقهـور كُـلُّ ٱلشَّعـب فـي دار غفلـون.
ودائـماً فـي إطـار ٱلمؤامـرة ٱلعجيبـة ، ولَـوْ أنَّ ٱلمشهـدَ مُتكـرِّرٌ فـي أغلـب ٱلمـدن ٱلمغربيَّـة وبعيـداً عـن مسألـةِ قطـع ٱلارزاق ، وبٱلنَّظـر لِـصغر حجـم ٱلمدينـةِ وٱلَّـذي يستوجـبُ معـها ٱلأمـرُ ٱلحـزمَ كُـلَّ ٱلحـزم قَصْـدَ ٱجتثـاثِ ٱلظَّاهـرة مِـن خـلال ٱلبحـث عـن حلـولٍ آنيَّـةٍ لِـتنظيم عمليَّـة ٱلبيـع ، مِـمَّا سـيَدُرُّ علـى ٱلجماعـة ٱلحضريَّـة مداخيـلَ مُهمَّـةٍ ، لِـيتَّضحَ غيـابُ دورِ ٱلشُّرطـةِ ٱلإداريَّـةِ وٱلسُّلطـات فـي ٱستثنـاءٍ لِـحملاتِ هـذه ٱلأخيـرة ٱلمُحتشمـة طبعـاً ، أعنِـي هُـنا التَّرامـي علـى ٱلمِلْـك ٱلعمومـيِّ ٱلطُرقِـيِّ مـن طـرف ٱلباعـةِ ٱلمُتَجوِّليـن (ولْفَرَّاشَـة) ٱلَّذيـن أصبحـوا يستولـون علـى ٱلطُّرقـات وملتقياتِـها ٱلمُفضِـي لٱختناقِـها بِـجميع ٱلأحيـاء ، ومـا يُصاحِـبُ ٱلعمليَّـة مِـن ٱزعـاجٍ للسَّاكنَـة وٱلمـارَّة وٱلسَّائقِيـن علـى ٱلسَّـواء ، زِدْ علـى ذلـك مُخَلَّفـات ٱلأزبـال ٱلمُتراميَّـة ، مِـمَّا يزيـدُ مـن ٱنتشـار ٱلرَّوائـح ٱلكريهـة ٱلزَّاكمَـة لأُنـوفِ ٱلسَّاكنَـة فِـي تَحَـدٍّ سافِـرٍ لِـسلامَةِ ٱلبيئـة وإرهــاقِ كاهـلِ عُمَّـالِ ٱلنَّظافَـة ، وٱلأكثـر مـن هـذا أصحـابُ ٱلمقاهـي وٱلمحـلَّاتِ وٱلَّذيـن أصبحُـوا فـي مُنافسَـةٍ غيـر قانونيَّـة مـن خـلال ٱلتَّرامـي علـى ٱلمِلْـكِ ٱلعمومـيِّ ورصيـفِ ٱلمُشـاةِ وٱلمَـارَّة مـن ٱلسَّاكنـة ، مـمَّا يُعَـرِّضُ حيـاةَ هـؤلاء لِـخطرِ ٱلطَّريـق وحـوادث ٱلسَّيـر، كُـلُّ ذلك أفضَـى إلـى تشويـهِ صـورةِ ٱلمدشـرِ.
وبٱلمُـوازاة مـع ذلـك لازالـتِ ٱلمُؤامـرةُ ٱلخاصَّـة بٱلتَّرامِـي علـى مِلْـكِ ٱلغيـرِ وأمـلاكِ ٱلجُمُـوعِ مُستمـرَّةً فـي عملِـها ٱلخبيـث ، باسطـةً وممتـدَّةً ومُستعرضَـةً عضلاتِـها علـى نواحِـي ٱلمدينـةِ ، مُسيلَـةً لُعـابَ جهـاتٍ أُخْـرى مُتآمِـرةٍ ، مُتمثِّلـةً فـي مديريَّـةِ ٱلأمـلاك ٱلمخزنيَّـةِ بِـتنسيقٍ مـع رُؤسـاء ٱلجماعـات ، مُستنـدةً فـي ذلـك علـى أنَّ ٱلأراضـي ٱلَّتـي تُريـدُ ٱلٱستحـوادَ عليـها (خـارجَ ٱلضَّوابِـط ٱلمَعمُـولِ بِـها قانونيّـا)ً ليســت فـي ملكيَّـةِ أحـدٍ ، أو أنَّـها أراضـي أمـوات ، بِـرُغم توفُّرهـم علـى ٱلوثائـق وٱلدلائـل ٱلدَّامغَـة وٱلتَّاريخيَّـة ، ولعـلَّ ٱلدِّفـاعَ ٱلمُستميـثَ لإحـدى ٱلقبائـلِ ٱلمعروفـةِ وٱلعريقـةِ بٱلمنطقـة ودُخُولِـها فِـي نِـزاعٍ بِـرَدَهَاتِ ٱلمحاكِـمِ ضِـدَّ مُديريَّـةِ ٱلأمـلاك وثُبُـوتِ تـَوَرُّط هـذه ٱلأخيـرة فِـي ٱلتَّرامِـي علـى ٱلأراضـي خَيـرُ دليـلٍ علـى ٱلمُؤامَـرة ٱلمدفُـوع بِـها مِـن طـرفِ رُؤسـاءِ ٱلجماعـاتِ ٱلجَشِعِيـنَ وٱلمُتعطِّشِيـنَ لِـمزيدٍ مِـن ٱلسَّطْـوِ وحِيــازةِ أرضِ ٱلغَيْـرِ.
أمَّـا مـا حَـدَثَ ويَحـْدُثُ بِـأحيـاء بلديَّـة ٱلوطيَّـة وٱلمينـاء مـن تــرامٍ فاضـحٍ علـى ٱلمِلْـكِ ٱلعمومـيِّ ، وأمـلاكِ ٱلجُمُـوعِ بِـمِنطقَـةِ لَحميديَّـات ومناطـقَ أخـرى مـن طـرف أشخـاصٍ أو مديريَّة ٱلأمـلاكِ ٱلمخزنيَّـة ، فٱلأمـرُ يحتـاجُ إلـى مقـالاتٍ متتاليَّـةٍ قـد نَعـُودُ للحديـثِ عنـها مُستقبـلاً.
وإلـــى مؤامــــــرة قادمــــــة.
-من موقع كواليس صحراوية

0/Post a Comment/Comments